طلاب الجامعات في شمال غربي سوريا .. تشتت وغياب للتأثير في مفاصل صنع القرار
تلفزيون سوريا -

تطول مشكلة انقسام الشمال السوري الجامعات بشكل مباشر وتؤثر على سير العملية التعليمية فيها وإدارتها بشكل صحيح، ما بين إدلب وريف حلب الشمالي، اتّحاد طلابي محسوب على الحكومة المؤقتة غارق طوال الشهور الماضية بمشكلات وخلافات إدارية، واتّحاد يمثل جامعة إدلب التابعة لحكومة الإنقاذ ويعمل بتناغم مع توجيهاتها.

ويتزامن ذلك مع غياب أي تمثيل لطلاب الجامعات الخاصة وهذه جزئية بمضمونها تعني تهميشًا لآلاف الطلاب، ليدخل المجتمع الطلابي على امتداد المنطقة بحالة انفصام وتشتت مستمرة منذ سنوات تركت عدّة ملفات عالقة دون حلّ أو تقدم فيها -سيأتي بيانها لاحقاً، ويُختصر بقطبين متضادّين، وبالحديث عن معنى الاتّحاد بذاته يعني نقابة مستقلة عن العمل الحكومي وتحمل مطالب تلبّي تطلعات الفئة التي تمثلها كجزء من مجتمع متكامل، إلّا أن هذه الفكرة المفصلية في عمل أي نقابة غائبة تماماً عن التوصيف العام لكلا الاتّحادين، ما يعني إعادة إنتاج وتصدير نماذج تُدار بطريقة تُشبه إدارة النقابات والمؤسسات التي تتبع حكومة النظام، ذات النظام الذي ثار عليه الشعب السوري وعادت كلا الحكومتين لتقليده في الإدارة؛ وهذا يعكس غياب مرجعية فكرية ورؤية معاصرة أو حتّى اقتباس لنماذج ناجحة من دول مجاورة بالحدّ الأدنى، ويتماشى مع المبالغة في مركزية القرار التي تسعى هيئة تحرير الشام وذراعها المدني لتكريسها والهيمنة على العمل النقابي.

وبالعودة للملفات العالقة، امتدّت طبيعة العلاقة والتوتر بين الحكومتين إلى الجامعات وفرضت نفسها، ووصل تأثيرها إلى الطلاب بشكل مباشر، وغابت فيها الزيارات الرسمية بين رؤساء الجامعات واقتصرت في بعض الأحيان على مشاركات خجولة ببعض الفعاليات العامة ومراسلات بالحد الأدنى لتسيير المصلحة العامة، إلا أن العلاقات تطورت نحو الأفضل -قليلاً- في الآونة الأخيرة.

واحدة من أبرز المشكلات التي أرهقت الطلاب رفض حكومة الإنقاذ منح مزاولة مهنة في إدلب لطلاب الجامعات الخاصة في ريف حلب، وكذلك تفعل المؤقتة في مناطق وجودها كردّ بالمثل، وإنّ بقاء الطلاب مكتوفي الأيدي سنوات طويلة دون أي حراك سلمي يعبّر عن رفض الحالة التي وضعتهم فيها الحكومتان يدفع بالمهتم للبحث عن الأسباب وسنعود من حيث بدأ المقال إلى نقطة مهمة تتمثل بغياب جسم حقيقي يمثل الطلاب ويملك القدرة على الحشد والمناصرة والتوجيه والدفاع عن مصالحهم، ليبقى الطلاب عالقين بين اتّحادين ينضوي ضمنهم شخصيات جلّها تسعى لحيازة ألقاب فخرية على حساب مصلحة عامة وهذا يعني أنّهم غير مؤهلين ومدربين لقيادة مرحلة مثل هذه، وحكومتين عجزتا عن حل مشكلات ضمن شريط حدودي واحتواء كل منهما للآخر، فهل يكونا قادرتين على إدارة منطقة بحجم سوريا وحمل خطاب وطني لكل السوريين؟

كان قَبول عدد من خرّيجي جامعات النظام في نوفمبر 2022 الذي كشفته قوائم امتحان الكولكيوم لدى حكومة الإنقاذ لحظة فارقة في انتفاضة طلابية وإعلان استعصاء عام متمثل بالإضراب عن الدوام في الجامعات والنزول إلى ساحات التظاهر وتوالي عشرات البيانات من مختلف الكليات الرافضة منح مزاولة مهنة للطلاب القادمين من هناك، إذ يرى الطلاب في الشمال السوري أن المنطقة ذات مساحة جغرافية صغيرة بعد خسارة مساحات واسعة عقب العمليات العسكرية التي شنتها ميليشيات النظام ضد المنطقة بدعم روسي إيراني مع وجود عدد فائض عن حاجة السوق من الموارد البشرية، إذاً، زيادة في الموارد البشرية وتقلص في المساحة الجغرافية، وتوجّس من قبول هذا النوع من الطلاب غير المطلعين على مراحل الثورة وتفاصيلها وغير مدافعين عن أهدافها ومبادئها ومنحهم هامشًا أو موطئ قدم في المنطقة يعني خطر صعودهم التدريجي فيها -كونهم من الطبقة الرمادية- والوصول إلى مفاصل إدارية مهمة ولو بعد حين.

وهذه أسباب كافية لرفض وجود الطلاب الخريجين من الجامعات في مناطق سيطرة النظام؛ لأنّ الأولوية للمقيمين سابقًا في المنطقة عند المفاضلة بين الطرفين، هذا الحراك الطلابي كان الأوّل من نوعه وما سبق أن شهدته الجامعات، ولأنّ السلطات تخاف من تكتّل وتكاتف الطلاب الجامعيين كطبقة محسوبة على الأكاديميين والمثقفين ستحدث تأثيرًا على الأرض لو طال أمد التنسيق فيما بينهم؛ سارعت للاستجابة لمطالبهم وأصدرت قرارًا بإيقاف منح المزاولات بعد اجتماعٍ عقدته مع اتحاد طلبة جامعة إدلب، والقرار كان كافيًا لعودة المياه لمجاريها بين الطلاب والحكومة، ليكتشفوا بعد سنة ونيّف أن القرار كان التفافًا على مطالبهم لإخماد الحراك.

وكانت الإنقاذ طوال هذه الفترة تمنح مزاولات مهنة "من تحت الطاولة" وذلك نتيجة الاجتماع السابق بين حكومة الإنقاذ مع مقربين منها وغياب جسم طلابي مستقل يضع آلية لتنفيذ القرار والحيلولة دون التلاعب والاستخفاف بطلاب الجامعات.

هذه المشكلات والغرق بتفاصيلها خلق حالة من التشتت لدى الطلاب وثقة متزعزعة تجاه السلطات، وشغلَ الحكومتين باتخاذ إجراءات وآليات عمل ندّية ليناكف كل منهما الآخر على حساب آلاف الطلاب بدلاً من الانشغال بتطوير المقررات والتوجه نحو البحث العلمي ورفع تصنيف الجامعات، ويحسب لجامعة إدلب أنها كانت سبّاقة في الجزئيات المذكورة إلا أن النجاح النسبي أو المحصور بجامعة واحدة لا يكفي؛ لأنه لا يثمر إلا بشقّ الأنفس، ويبقى العمل الجماعي بعد نبذ الخلافات سبيلًا هو الأنجح للوصول إلى نظام تعليم عالي يمكن مقارنته بجامعات الدول المحيطة-على أقل تقدير-.

مؤخّرًا، تمّ حلّ اتحاد طلبة جامعة إدلب والتمهيد لتشكيل "اتحاد طلاب سوريا" بانتخابات من المقرر عقدها بعد عيد الفطر، ويتزامن ذلك مع جهود مكثفة لتوسعة مجلس الشورى العام في إدلب ضمن خطة الإصلاحات التي وعد الجولاني بتقديمها، فهل يكون الاتحاد الجديد مختلفاً عن سابقه ويصدّر أشخاصًا على قدر المسؤولية يسعونَ لحلّ الملفات العالقة بين الجامعات وينهونَ حالة الشّرخ فيما بينها ويُمنح مقعد في مجلس الشورى ليأخذ دوره الرقابي بعد عزل ممثلي الجامعات الحاليين نتيجة تقصيرهم في المجلس المُشكّل بالتزكية من منظور "قيادة المحرر"؟ أم يُعاد تكريره باسم جديد ليكون دوره تقليديًا كصلة وصل بين الطلاب والحكومة ويكتفي بصلاحيات محدودة من تنظيم الفعاليات العامة التي تدعو لها الإنقاذ بما يتناسب مع توجهاتها؟

شارك هذا المقال



إقرأ المزيد