الوجود الإيراني في دير الزور ما بين الحلم والواقع
تلفزيون سوريا -

لا شك أن إيران ومنذ تدخلها بقضها وقضيضها وأذرعها الميليشياوية وكتلتها العسكرية في الأراضي السورية واعتمادها في ذلك على شماعة مكافحة الإرهاب وقتال تنظيم داعش والقضاء عليه، وهذا للأسف كان واقع الحال لكافة أصحاب النفوذ الذين تدخلوا في القضية السورية، ولكن طهران والكل يعي ويدرك أنها ما تدخلت في سوريا إلا للوقوف أولاً مع نظام الأسد المجرم لوأد الثورة الشعبية التي اندلعت ضده، والعمل لاحقاً على تنفيذ أجنداتها وأهدافها الخاصة والتمهيد والتأسيس التدريجي لوجود طويل الأمد في سوريا.

في الواقع ومنذ بدايات الثورة السورية عام 2011، كان ملالي طهران وحرسهم الثوري ينظرون إلى هذه الثورة على أنها تهديد وجودي خطير لتحالفها المتين مع نظام الأسد ولأهدافها القريبة منها والبعيدة والمتمثلة في تصدير الثورة والسعي الحثيث للتسلط وإتمام هيمنتها الإقليمية، فإيران وكما أشارت وتشير كل الدلائل إلى أنها ومنذ قيام ثورة الخميني عام 1979، تنظر إلى التحالف مع النظام السوري على أنه الركيزة الأهم وراء سعيها المتواصل للهيمنة والتمدد الإقليمي، وأن الجغرافيا السورية من وجهة نظرها ما هي إلا العمود الفقري والمجال الحيوي الفعال لحماية أهم الركائز والمنطلقات الإستراتيجية لها في منطقة الشرق الأوسط والتي تتمثل في ميليشيا حزب الله التي تعتبرها طهران إحدى أذرعها القوية بالوكالة، وأنها أعظم هدف ونجاح حققته على الأرض خارج حدودها وفي جهودها الرامية لتصدير ثورتها وتعميم أيديولوجيتها الدينية، وذلك دوناً عن الميليشيات الشيعية العراقية والباكستانية والأفغانية التي اعتمدت عليها في الغالب عسكرياً في الأحداث السورية.

وعليه فقد أصدرت طهران أمراً لحزب الله بالتدخل في سوريا والوقوف إلى جانب نظام الأسد المجرم ناهيك عن تدخلها العسكري المباشر، واستقدام ودعم عشرات الميليشيات الطائفية الإرهابية العابرة للحدود للوقوف إلى جانب هذا النظام وإخماد ثورة شعبه بكل الطرق والوسائل الإجرامية.

عملياً ومنذ بدايات تدخلها فإن إيران وحرسها الثوري كانت أعينهم لا تغفل عن محافظة دير الزور الاستراتيجية وحلم السيطرة على الشريط الحدودي السوري ومعابره مع العراق، إذ إن هذا الأمر بحد ذاته ودون أدنى شك يشكل أحد أهم أهداف وأولويات الوجود الإيراني في سوريا، وعليه وبعد فقدان تنظيم الدولة لسيطرته المكانية وطرده من آخر معاقله فقد اشتركت إيران وميليشياتها في حربه إلى جانب روسيا والنظام بغية فرض وجودها ونفوذها ووصولها إلى محافظة دير الزور والاشتراك مع التحالف في السيطرة عليها، ومن هنا سارعت إيران وميليشياتها في تنفيذ حلمها بالإطباق على الضفة الجنوبية لنهر الفرات والسيطرة الفعلية على معبر البوكمال وقطاعات واسعة من الشريط الحدودي السوري العراقي، معتمدة في ذلك على تعزيز قبضتها الأمنية وإقامة وإنشاء قواعد عسكرية تتبع لها كقاعدة الإمام علي التي تعتبر أكبر قواعد إيران في سوريا وتقع في محيط البوكمال، ناهيك عن نشرها الواسع لميليشيات تابعة بشكل مباشر للحرس الثوري واستقطاب ميليشيات محلية عشائرية ومناطقية في مدينة دير الزور وبلدات الضفة الجنوبية من نهر الفرات المعروفة محلياً بخط الشامية.

لا شك أن إيران وبحسب أهالي المنطقة ودلائل كثيرة لاتزال منهمكة وتحاول بكل الطرق والوسائل كسب الولاءات والسيطرة على المنطقة مستخدمة أساليب الترغيب والترهيب عبر استمالة السكان الفقراء بإغراءات مادية وتوزيع المساعدات الإنسانية، وذلك كله بهدف جعل جغرافية دير الزور مركزاً لنفوذها وممراً آمناً لقواتها وتهريب أسلحتها من العراق إلى دمشق، وصولاً إلى البحر المتوسط ومعاقل حزب الله في لبنان.

تسيطر إيران ووكلاؤها منذ بدايات عام 2018 على الجانب الجنوبي لدير الزور والممتد من المدينة ذاتها مروراً بالميادين وصولاً لمدينة البوكمال، إضافة إلى سبع بلدات على الجانب الشرقي من نهر الفرات الواقع تحت سيطرة القوات الأميركية وميليشيات قسد، وعليه فالواقع الميداني يقول إن طهران وحرسها الثوري لها نفوذ في هذه المناطق عبر فصائل موالية لها مثل "زينبيون وأبو الفضل العباس وهاشميون وحيدريون ولواء القدس، وحزب الله العراقي، والحشد الشعبي الذي يسيطر عملياً على معابر التهريب البرية ما بين البادية السورية والعراقية، والتي تقدم الدعم المادي لعناصر الحرس الثوري الإيراني وذلك من عوائد التهريب.

الملاحظ أنه ومنذ أن ظهرت الجمهورية الإيرانية بقيادة الخميني كقوة إقليمية، وتبنيها لفكرة تصدير الثورة، فإيران ومن خلال المتابعة لا تزال تحاول إنشاء قوى موازية تأتمر بأوامرها في الشرق الأوسط وبالأخص في دول الجوار، وعليه فالوقائع تقول إنها قد نجحت وإلى حد كبير في اختراق العراق ولبنان واليمن وسوريا، عسكرياً وسياسياً، إضافة إلى محاولاتها المستمرة وبطرق وأساليب مختلفة في تبني استراتيجيات ما يسمى بالقوة الناعمة، مثل التبشير وتعزيز التشيّع بين المجتمعات غير الشيعية ومنها مجتمعات المنطقة الشرقية، ولكن واقع الحال يقول إن الأوضاع في سوريا مختلفة جداً فعلى الرغم من أن إيران وبتسهيلات من النظام باتت تتمتع بنفوذ سياسي وعسكري، لكنها حقيقة تفتقر إلى عنصر مهم مفقود وهو عدم وجود عدد كبير من السكان الموالين لها عقائدياً، فالشيعة في سوريا هم أقلية صغيرة جداً على الرغم من أن طهران تحاول منذ أعوام نشر التشيع في سوريا عموماً والمنطقة الشرقية خاصة من خلال استقطاب رجالات الدين والرموز العشائرية وإقامة وبناء الحسينيات، وإدراج المناهج ذات الطابع الشيعي في المدارس وخاصة الابتدائية منها لإنشاء جيل جديد متشيع، ولكنها لم تنجح حتى اليوم في معظم مناطق دير الزور، حيث إن 99 في المئة من السكان هناك هم من العشائر العربية السنّية.

وينظر كثير من السكان فيها إلى أن إيران هي قوة محتلة مجرمة، متحالفة مع نظام إجرامي طائفي متورط في قتل شعبه رغم سعيها الحثيث والدائم إلى استخدام أساليب قوتها الناعمة لإنشاء قاعدة مذهبية في دير الزور تساعدها على تحقيق أهدافها واستراتيجيتها في هذه المنطقة.

في الواقع لم يقتصر الوجود الإيراني بدير الزور على حماية ومساندة النظام السوري من السقوط بل بدأت طهران وما تزال توسع في مشاريعها الهادفة لتغيير ديموغرافية المنطقة، ونشر التشيّع بين أبنائها، كإحدى استراتيجياتها في دير الزور.

وعليه فاهتمام إيران الكبير بدير الزور يجب أن لا يتمّ تجاهله أو إهماله وجعله قضية ثانوية، إذ إن نجاح إيران في تحقيق أهدافها المشبوهة هناك يعني أنها ستكون قادرة على العمل من دون صعوبات أو عوائق كبيرة في مناطق أخرى لا تعتبر ساحات تقليدية لنفوذها على الأراضي السورية.

 

 

شارك هذا المقال



إقرأ المزيد