“حزب الله” و”الحرس الثوري” يغيران خارطة تواجدهما في سوريا: تكتيك للمواجهة؟
موقع الحل السوري الأخباري -

ببنما ترتفع وتيرة الإشارات العديدة التي تميل نحو قرار إسرائيل بتوجيه ضربة جديدة لإيران رداً على هجماتها الأخيرة بالطيران المسير والصواريخ، فإن عدة تقارير ومصادر مطلعة، كشفت عن بدء “الحرس الثوري” الإيراني في سوريا، و”حزب الله” اللبناني، بعدة خطوات وقائية. 

هذه الخطوات فيما يبدو لتجنب أي استهداف لقياداتها في الجغرافيا السورية. فالتموضع الإيراني في الجغرافيا السورية وإعادة الانتشار من جديد، لا يعد الأول من نوعه، بل له سوابق عديدة، تعددت أهدافها الأمنية والجيواستراتيجية لجهة تأمين وتشكيل حماية لها، وتفادي لحظة التصعيد العسكري مع إسرائيل والولايات المتحدة؛ لكن ما القصة؟

خطوة استباقية

قالت مصادر خاصة لـ”الحل نت”، إن “الحرس الثوري” وميلشيات “حزب الله” بدأ كل منهما باتخاذ إجراءات حديثة لأغلب منشآته في مناطق تواجده بسوريا، خلال الفترة التي تلت هجماتها على إسرائيل.

طائرة مقاتلة من طراز f-15 تابعة للجيش الإسرائيلي تحلق فوق وسط إسرائيل في 15 أبريل/نيسان 2024. (تصوير مناحيم كاهانا/وكالة الصحافة الفرنسية)

فيما جاءت تلك الإجراءات حيز نقل ضباط “الحرس” من ذوي الرتب المتوسطة، وذلك على خلفية ارتفاع منسوب التهديدات الإسرائيلية بالرد على الهجوم الإيراني، لا سيما أن معظم الترجيحات تذهب نحو أن الرد الإسرائيلي سيستهدف الحضور الإيراني في المواقع السورية.

وأكدت المصادر، أن “الحرس الثوري” الإيراني و”حزب الله” قلصا وجود كبار ضباطهما في سوريا خلال الشهور الأخيرة، فضلاً عن إجراءات جديدة تزامنت مع الضربة الأخيرة ضد إسرائيل.

وفي حديثه لـ”الحل نت”، قال رامي عبد الرحمن، مدير “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، إن “الحرس الثوري” قد بدأ في تسريح القيادات لعطلة مؤقتة وبينهم إداريين، وذلك في المناطق العسكرية بدير الزور. 

ولفت عبد الرحمن، إلى أن هذا القرار بالإجازة شمل كذلك المسؤولين عن المراكز الثقافية المسؤولة عن عمل تغييرات ديموغرافية وإعادة تشكيل هوية طائفية بمناطق سيطرة طهران، وتحديدا في دير الزور والبوكمال والميادن. وكل تلك التحركات إنما لتأمين المناطق من القصف الإسرائيلي. 

وتابع قائلا في سياق حديثه لـ”الحل نت”، إن “الحرس الثوري” بعث برسالة لـ”حزب الله” اللبناني، بأن يتوخى الحذر في مناطق تواجده وانتشاره بسوريا، لا سيما مع اتساع نطاق الاستهدافات المحتملة من الجانب الإسرائيلي على مناطق نفوذ إيران، وبخاصة المستودعات ومخازن الأسلحة والمسيرات. 

التحركات الإيرانية في ما يخص إعادة التموضع والانتشار تتم بوتيرة دقيقة وليس فيها أي تهاون سواء على مستوى التوقيتات أو القيادات الوزانة من جهة مواقعها الأمنية والميدانية العسكرية.

وألمح مدير المرصد الحقوقي، مقره لندن، إلى أن التحركات الإيرانية التي يمكن القول إنها وقائية ومحاولة للتصدي للاستهدافات الإسرائيلية في ظل التصعيد العنيف بين الطرفين، وبخاصة بعد قصف القنصلية في دمشق، لا تشمل الجغرافيا السورية وحسب، إنما هي تحركات جديدة لكافة مناطق تواجد “الحرس الثوري” والفصائل الولائية التابعة لطهران بالمنطقة. 

ما يشير إليه عبد الرحمن، أن هناك مثلثا يشكل لطهران حيز نشاط جيواستراتيجي وهو الحيز الذي يربط بشكل حيوي بريا سوريا بالعراق بلبنان. ولذلك، فإن الأمر يتعلق ببعض المناطق السورية التي لها طبيعة استراتيجية في ذهنية “الحرس الثوري”، منها القلمون وريف دمشق وحلب. وهي المناطق التي تتواجد فيها قيادات إيرانية، ومن ثم، تم العمل على تغيير تواجدهم.

خشية الضربة الإسرائيلية

مصادر متطابقة تحدثت لـ”الحل نت”، حول سؤال ما إذا كان من الوارد أو المرجح بناء على التطورات الأخيرة، أن تعمل طهران من خلال غرفة عمليات وتترك القيادة للوكلاء المحليين ببلادهم خاصة في العراق وسوريا ولبنان وتعمل على تأمين قيادات “الحرس الثوري” من هجمات تل أبيب.

وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان يصفق خلال مؤتمر صحفي في مقره في طهران في 14 أبريل/نيسان 2024. (تصوير أفتا كيناري/وكالة الصحافة الفرنسية)

وأجابت المصادر بأن ذلك، “نعم ووارد حدوثه بشكل كبير أيضاً”. وقالت إن إيران تترك المقرات وتتركها لوكلائها في المنطقة سواء ميلشيا “فاطميون” وكذا “زينبيون” أو الميليشيات العراقية الموالية لـ”الحرس الثوري”. كون أنه من المعروف أن هذه الأذرع ما هي إلا وسائل بيد إيران تستخدمهم بحسب تطور مسار الأحداث دون أن تملك الجماعات الوظيفية حق الرفض أو نقض التوجيه الإيراني.

ووفق مصدر سياسي عربي، فإن هناك تحركات عسكرية “حتمية” تتم وتجري على مستوى القيادات وكذا الأسلحة، وبعض مناطق التخزين في الأنفاق السرية (وبعضها أصبح علني) بين عدة مواقع في لبنان وسوريا سواء لإدارة تكتيكية أو حماية “ما تبقى” البنية العسكرية من الاستهداف.

التحركات، وفق المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، التي يقوم بها “حزب الله”، مثلاً، هي لانفتاحه على مواجهة ما سيعقب الرد الإسرائيلي المحتمل والوشيك، ربما، والمتوقع. 

وبحسب المصدر، فهناك قوات مشاة “حوثية” إلى جانب مسيرات وصواريخ في سوريا جاهزة للانتقال إلى لبنان في حال اتساع الصراع على نحو مماثل لحرب تموز/ يوليو 2006، وتحول الأمر لصراع إقليمي، مشيراً إلى أنه من بين القيادات الأساسية التي ما تزال بلبنان ضمن ما يعرف بـ”غرفة عمليات” هو قيادة “حوثية” كبيرة.

لكن الولايات المتحدة وفرنسا لديهما معلومات بخصوص كل ذلك وصورة شاملة بشأن الوضع، وهي تعمل على “ضبط إسرائيل وإيران معاً”، وفق المصدر.

مقاربة واشنطن، وفق المصدر، أن حربا شاملة غير ممكنة ومستحيلة بل و”غير مطلوبة”. فإسرائيل لن تكون في مواجهة “حزب الله” فقط بل “الحوثي” وآخرين في العراق والأردن وسوريا، ثم إن ذلك سيؤدي لاستحالة انتصار طرف. 

وفي حال دخول الولايات المتحدة، فمعنى ذلك توسع المخاطر للدرجة التي ستجعل قواعد أميركا وقواتها بالمنطقة أمام تهديد وكلاء إيران وبخاصة في الخليج أو العراق وسوريا. 

ويقول المصدر إن دائرة معلوماته تؤكد نشر “حزب الله” قواته بكثافة في المنطقة الواقعة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني. 

وعلى الحدود اللبنانية السورية، هناك حشد عسكري وتحركات لقوات النخبة اللبنانية، وبينهم عناصر عراقية وآخرين من جهة ما يعرف بـ”محور المقاومة”، لم يحددهم المصدر بدقة، لكنه يشير إلى أن مخزون من الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى في جاهزية تامة لصد أي هجوم. وهناك تواجد عسكري بالقرب من قرية الغجر غرب مزارع شبعا.

كما أن هناك مواقع خفية سرية لإطلاق صواريخ مضادة للدبابات ضد إسرائيل وفق المصدر، ولا يمكن معرفة إحداثياتها بدقة. وهي تبعد نحو أقل من خمسة كيلومترات من الخط الأزرق، وفقد تقديرات مواقف خاصة. 

إلى أين يتجه مسار الصراع؟

على لائحة الاستهداف عند “حزب الله” الأولى ضرب أنظمة الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع لإسرائيل. فضلا عن مخزون “حزب الله” من الصواريخ والقذائف، فإنه يقوم بتحقيق جاهزية تامة من الطائرات المسيرة وقد حصل على دفعة جديدة من طراز الطائرات الانتحارية والتجارية.

رجل إيراني يجلس على رصيف في وسط مدينة طهران، إيران، إيران، في 14 أبريل/نيسان 2024، يحمل صحيفة “جام جام جام” اليومية التي تحمل صورة مصورة لهجوم الحرس الثوري الإيراني بالصواريخ والطائرات بدون طيار. (تصوير مرتضى نيكوبازل/ غيتي)

يضع “الحزب” على الحدود وفي مواقعه الاستراتيجية سواء مع سوريا أو إسرائيل أنظمة محسنة من مضادات الدبابات من نظام “أي تي جي إم”. وتركيب صواريخ “كورنيت” المضادة للدبابات على مركبات يمكنها التحرك في كافة التضاريس، وفق المصدر ذاته.

وزودت إيران “حزب الله” بالقنابل الإسفنجية وقنابل الأنفاق والتي من شأنها إلى جانب أسلحة أخرى شل قدرة القوات البرية الإسرائيلية على دخول لبنان وتهديد أو تدمير كافة المواقع المحصنة.

التكتيك الذي يوضحه المصدر هو اعتماد “حزب الله” على الأنفاق مؤخرا، وتدشينه شبكة واسعة النطاق ويعتقد أنها تمتد لسوريا وقريبة أو لديها مواقع دفاعية. فضلا عن منصات هجوم بصواريخ قريبة من إسرائيل لشن هجمات مكثفة ضدها. يضاف لذلك خطط “حزب الله” للاعتماد على التسلل البحري إلى جانب الأنفاق البرية والتي تحقق ضربات عسكرية على أهداف مباشرة.

من جانبه يذهب الباحث السوري، درويش خليفة، قائلاً، لقد شهدت سوريا في الفترة الأخيرة لعبة القط والفأر بين إسرائيل وإيران، حيث يقوم الطرف الآخر بعد كل خطوة بالرد. وبالتالي يتغير الواقع في كل ساحة من الساحات التي تعمل فيها طهران. 

وفي بعض الأحيان، لا تكون تأثيرات هذه التدابير مباشرة، بل تنشأ من مجموعة من الأحداث الأخرى التي تحدث في وقت واحد في المساحة الجغرافية المعنية.

يضيف خليفة في إطار حديثه لـ”الحل نت”، أن هناك ما يشير إلى إعادة تموضع للإيرانيين وتغيير بعض قياداتها من الصف الثاني والثالث، والاعتماد على بعض من القادة الميدانيين من “حزب الله” على الجبهات الرئيسية في دير الزور والجنوب السوري. وتم تعزيز جبهات عديدة في بادية تدمر وريف حمص بـ 4500 مقاتل جلهم من الميليشيات الطائفية.

ربما هناك مشكلة لم تظهر على العلن بعد، وهي الخلافات الروسية-الإيرانية، رغم محاولة ضبطها وعدم خروجها عن قواعد الانضباط المتعارف عليها بين الجانبين. 

وحسب المعلومات المتوفرة يشهد ريف دير الزور الغربي توتر بسبب محاولة “الحرس الثوري” الإيراني التمدد هناك، على حساب ميليشيا “الدفاع الوطني” المدعومة من قبل الروس والتي يترأسها فراس العراقية ومن خلفه عشيرة البوسرايا. وبالوقت نفسه هناك هواجس تجمع الطرفين الروسي والإيراني، من عودة تنظيم “داعش” واستهداف قواتهم بشكل انفرادي.

جهد استخباري كبير

إلى ذلك نرى أن التوتر في المنطقة واستهداف الميليشيات الإيرانية بشكل شبه يومي من قبل إسرائيل، سيبقي سوريا بحالة استقطاب روسي-إيراني، وحالة من الشك تجاه كل طرف من الأطراف الأخرى.

ملصقات تصور ضحايا الغارة الجوية على الملحق القنصلي لمقر السفارة الإيرانية في دمشق خلال حفل تأبين لهم في مقر السفارة في العاصمة السورية في 3 أبريل/نيسان 2024. (تصوير لؤي بشارة/وكالة الصحافة الفرنسية)

الباحث في الشأن الإيراني، مصطفى النعيمي، يذهب بقوله إن التحركات الإيرانية لا سيما في الأونة الأخيرة، إنما تأتي في سياق نوع من إرباك المشهد محلياً وإقليمياً. وذلك لاستثماره كظروف استثنائية تضغط على الجانب الإسرائيلي من حيث الردود المحتملة فيما لو أقدمت تل أبيب على تنفيذ ضربات باتجاه المليشيات المرتبطة بإيران العاملة في المنطقة العربية أو حتى في الداخل الإيراني.

وبناء عليه يتابع النعيمي في سياق حديثه لـ”الحل نت”، بأن الرسائل المتبادلة لا تخرج عن سياق التوظيف الاستخباري لغاية إرباك الخصوم وهنا الحديث عن الجانبين الإسرائيلي والإيراني. فتل أبيب تدرك تماماً بأن التحالفات الموجودة في المنطقة العربية مهمة جداً، وتأتي كفرصة تاريخية من أجل الانقضاض على طهران ومحورها العامل في المنطقة العربية، وذلك بعد رشقات الصواريخ والمسيرات التي استهدفت الجانب الإسرائيلي.

إذاً، يرجح النعيمي فرضية أن المشهد ما زال في طور ارتفاع حمى المواجهة، والغاية منه هو جمع مزيد من التحالفات من أجل التحضير للرد. إضافة إلى أن التحركات التي تجري في كل من سوريا والعراق لها اعتبارها ورسائلها، وهنا الحديث، عن تحليق الطائرات المسيرة الاستخبارية الإسرائيلية من “السرب 122” التابع لسلاح الجو الاستخباري الإسرائيلي. 

بالمثل أسراب الطائرات “الأواكس” الأميركية والملاحظ قبل يومين تحليق ولأول مرة طائرة مخصصة لتزويد الطائرات بالوقود من طراز “آر سي 135 كي” في السماء العراقية شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً، مما يؤكد فرضية أن هنالك جهد استخباري كبير لجمع أكبر كم من بنك الأهداف المحتملة للرد الإسرائيلي على تلك الانتهاكات وفق رأي صانع القرار في تل أبيب.

وحول تلك المعلومات الخاصة والتقارير التي تشير إلى سحب بعض الضباط الإيرانيين التابعين لـ”الحرس الثوري” و”حزب الله” اللبناني من مناطق دير الزور والبوكمال تحديدًا، فيرجح النعيمي أن الانسحابات التي يتم الحديث عنها هي رسائل للجانب الإسرائيلي والأميركي بأننا قمنا بسحب خبرائنا من “الحرس الثوري” الإيراني من سوريا باتجاه إيران. 

بمعنى آخر، أن تلك الضربات المتوقعة من جانب إسرائيل لن تكون مجدية، لا سيما مع تنفيذ سحب الضباط والقيادات.

الاستعداد الإيراني

بيد أنه يجب الانتباه لتلك الخطوة من جانب طهران، خاصة في حيز سيناريو إعادة التموضع والانتشار لتلك القوات في مناطق أخرى خشية تنفيذ ضربات إسرائيلية جديدة. 

وبالسؤال حول هل من الوارد أو المرجح بناء على التطورات الاخيرة أن تعمل طهران من خلال غرفة عمليات وتترك القيادة للوكلاء المحليين ببلادهم، فإن الميليشيات بشكل عام بنيتها التراتبية تعمل من أجل حماية مشروع ولاية الفقيه. 

لذا، فإن فكل القيادات المحلية تعمل من المركز المتمثل بالمرشد الأعلى للثورة الإيرانية. بالتالي، عملياً كل القادة الميدانيين يتبعون من التراتبية القيادة في طهران. 

والعمليات العسكرية الأخيرة التي نفذت باتجاه إسرائيل، تؤكد على حقيقة “وحدة الساحات”. لكن طبيعة تلك الوحدة تتلخص في خدمة مشروع الملالي وليس دفاعا عن قضايا أوطانهم أو قضية فلسطين بوجه التحديد كما تزعم قيادة طهران. 

فاستخدام منصات لإطلاق الصواريخ البالستية والمسيرات من لبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران، تؤكد على تنسيق عالي المستوى بين تلك القيادات التي تخدم مشروع نفوذ طهران الطائفي العسكريتاري في المنطقة وبقاء هيمنتها نحو أطول فترة ممكنة بحسب المصدر ذاته. 

ويختتم الباحث في الشأن الإيراني حديثه لـ”الحل نت”، بقوله إن كافة المقدمات تشي نحو كوننا مقدمون على مزيد من التصعيد من كلا الجانبين عبر جغرافيا المنطقة العربية.



إقرأ المزيد