بعد عام على التحرير.. اختبار الصبر والسلطة في سوريا الجديدة
عنب بلدي -

محمد غزوان شاهين

اقتربت الذكرى الأولى لانتصار الثورة السورية وتحرير البلاد من نير نظام أفسد وأحرق الأرض قبل أن يُطرَد منها. ومع بزوغ فجر جديد، برزت إدارة انتقالية تسعى لوضع أسس المرحلة المقبلة، محاولة رسم ملامح الدولة بعد سنوات الخراب. كانت لهذه السلطة ما لها وعليها ما عليها، إلا أن قراءة الواقع الذي تواجهه تفرض نفسها اليوم كضرورة وطنية، لفهم طبيعة التحديات وضبط إيقاع المرحلة.

تواجه السلطة الحالية ضغوطًا متراكبة من خمسة محاور رئيسة، تجعل قدرتها على المناورة محدودة وهامشها السياسي ضيقًا.

المحور الأول هو الخارج، حيث لا تنفك الضغوط تتوالى من الجار سيئ الذكر، ومن الإدارة الأمريكية، فضلًا عن تركيا وبعض الدول العربية التي تختلف في مواقفها وتوجهاتها، لكنها تلتقي في نقطة واحدة: دفع السلطة نحو تنازلات أو إعادة صياغة أولوياتها.

أما المحور الثاني فيتعلق بالحاضنة الشعبية، تلك الشريحة التي لطالما اعتبرت نفسها قاعدة للسلطة، لكنها باتت تطالبها بمواقف أكثر حسمًا وحزمًا، سواء في مواجهة خصوم الداخل أو في الرد على الاعتداءات المتكررة من الخارج، رافضة أي تهاون أو تراخٍ.

المحور الثالث يأتي من الخصوم الداخليين، سواء في الساحل (الفلول) أو الجنوب أو شمال شرقي سوريا، إلى جانب التهديدات المستمرة لتنظيم “داعش” وبقايا الفصائل المرتبطة بإيران ولبنان.

المحور الرابع ينبع من المعارضة المدنية، تلك التي تراوحت مواقفها بين من يرى في استمرار السلطة ضرورة بشرط الإصغاء إلى أصوات الإصلاح، وبين من يتمنى انهيارها بغض النظر عن سلوكها أو خياراتها.

وأخيرًا، يبرز المحور الخامس وهو الأخطر، المتمثل في التيار المتشدد داخل السلطة نفسها، ذلك التيار الذي كان سببًا في كثير من الكوارث التي مرّت بها البلاد، ورغم ذلك تضطر السلطة إلى الاستعانة به في اللحظات الحرجة، كما في أحداث الساحل أو السويداء، ما يجعلها أسيرة توازنات معقّدة داخل بيتها الداخلي.

لكن لا يمكن في الوقت ذاته إغفال الإرث الثقيل للنظام المخلوع، الذي خلّف وراءه فسادًا إداريًا واسعًا، وانهيارًا اجتماعيًا ووطنيًا، وترديًا في مستوى الخدمات الأساسية. وتبقى الملفات العالقة شاهدة على عمق التحديات: السلم الأهلي، العدالة الانتقالية، عودة المهجّرين واللاجئين، إعادة الإعمار، إلى جانب أزمات الطاقة والكهرباء والاتصالات، فضلًا عن تدني دخل الفرد وتراجع مستوى المعيشة.

من هنا، فإن أي جهة تخطط اليوم لإزاحة السلطة الحالية دون أن تملك خطة بديلة متكاملة لإدارة هذه الملفات، إنما تراهن على المغامرة بمصير البلاد. فالمشكلة لا تكمن فقط في انتقاد السلطة، بل في غياب البدائل الجاهزة والقادرة على مواجهة التحديات المعقدة والمتشابكة.

ويبقى الرأي الأقرب إلى الواقعية أن دعم السلطة الحالية بنظرة حذرة، مع إبقاء حالة النقد والانتقاد كوسيلة للتصويب، هو الطريق الأكثر أمانًا للبلاد. خاصة أن السلطة أبدت في أكثر من مناسبة استعدادًا للاستماع للنقد وأظهرت مرونة في عدة ملفات. بذلك، يصبح التعامل معها بعيدًا عن التطبيل للأشخاص أو التزمير للمسؤولين، والتعامل معها كما عرّفت نفسها منذ البداية (كـ سلطة انتقالية)، خيارًا أقل كلفة وأكثر سلامًا من المغامرة بالقفز في المجهول.

مرتبط

اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا

إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى



إقرأ المزيد