عنب بلدي - 11/23/2025 1:02:06 PM - GMT (+2 )
عنب بلدي – محمد كاخي
عقدت وزارة العدل السورية، في 18 من تشرين الثاني الحالي، أول جلسة محاكمة علنية للمتهمين بارتكاب الانتهاكات والجرائم التي طالت الأهالي والعسكريين بالساحل السوري، في آذار الماضي، الأمر الذي أثار استغرابًا وتساؤلات لدى الرأي العام السوري، حول توقيت محاكمات مجرمي النظام السوري السابق.
أثارت المحاكمات حفيظة الرأي العام، وفق ما رصدته عنب بلدي على مواقع التواصل الاجتماعي، وكان التساؤل الأول هو لماذا بدأت محاكمة من اتهموا بارتكاب الانتهاكات في الساحل، قبل محاكمة مجرمي نظام الأسد الذين لا يزال كثيرون منهم خارج السجون.
ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” قائمة تضم أسماء نحو 16 ألف شخص ضالع في جرائم وانتهاكات بحق السوريين من النظام السوري السابق، بينهم أكثر من ستة آلاف فرد من القوات الرسمية، التي تشمل الجيش وأجهزة الأمن، وأكثر من تسعة آلاف من القوات الرديفة، التي تضم ميليشيات ومجموعات مساندة قاتلت إلى جانب القوات الرسمية.
وأشارت “الشبكة” إلى أن المحاسبة يجب أن تشمل مختلف المستويات، وتتجاوز القيادات العسكرية والأمنية لتصل إلى أفراد آخرين تورطوا بطرق مختلفة في دعم جرائم النظام، ومن بين هؤلاء ممثلون وفنانون وكتّاب وسياسيون، أسهموا في تعزيز جرائم النظام، سواء عبر التحريض على القتل أو زيادة المعاناة السورية بدرجات متفاوتة.
لماذا بدأت من الساحل؟المحدد الرئيس لأسبقية محاكمات الساحل، بحسب الحقوقي المتخصص في العدالة الانتقالية منصور العمري، هو أن السلطة التي اختارت بدء هذه المحاكمات هي ذاتها السلطة الحاكمة وقت وقوع الجريمة، أما محاكمات جرائم عهد سلطة الأسد المخلوع فستحدث تحت سلطة أخرى (الحالية).
ولا يمكن، بحسب العمري، بدء أي محاكمات بحق المتهمين، من رموز النظام السابق، قبل صدور قانون العدالة الانتقالية، لأن القانون الوطني “قاصر” ولا يتضمن تعريفات لـ”جرائم الحرب” و”الجرائم ضد الإنسانية” أو يمكن تشكيل محكمة هجينة تعتمد القانون الدولي والوطني، ويتضمن نظامها الداخلي “جرائم الحرب” و”الجرائم ضد الإنسانية”، لحماية الحقوق والعدالة الانتقالية بتعريفها الواسع.
السلطة التي اختارت بدء محاكمات الساحل هي ذاتها السلطة الحاكمة وقت وقوع الجريمة، أما محاكمات جرائم عهد سلطة الأسد المخلوع فستحدث تحت سلطة أخرى (الحالية).
منصور العمري
حقوقي متخصص في العدالة الانتقالية
كما أن المحاكمات التي جرت بخصوص مرتكبي الانتهاكات في أثناء أحداث الساحل يمكن اعتبارها من ضمن مسار العدالة الانتقالية، فالعدالة الانتقالية، بحسب الأمم المتحدة، “تحدث في المجتمعات التي تحاول إعادة بناء نفسها من جديد، والانتقال من تاريخ عنيف يتسم بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ارتُكِبَت في سياق ممارسة القمع أو في سياق نزاع مسلح أو غير ذلك من السياقات الأخرى”، أي أنها قد تنطبق في حالتي الساحل والسويداء، بحسب العمري.
فتطبيق مبادئ العدالة الانتقالية غير محصور أو مشروط بسقوط نظام حاكم، بل بإرادة النظام الحاكم الحقيقية في تطبيقها بعد وقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي، تابع العمري.
ويرى الباحث في مركز “الحوار السوري” وخبير العدالة الانتقالية نورس العبد الله، أن مسألة محاسبة مرتكبي الانتهاكات التي حدثت في الساحل السوري تؤسّس لسيادة القانون في سوريا، ولإنهاء سلسلة الإفلات من العقاب.
وما دفع الحكومة إلى إطلاق هذه المحاكمات بُعدان:
البعد الأول: عملي وإجرائي، مرتبط بإمكانية تطبيق هذه المحاكمات على أرض الواقع، نظرًا إلى محدودية عدد مرتكبي الجرائم، وعدم وجود حاجة لتشريعات جديدة، باعتبار أن هذه المحاكمات تخضع للقضاء العادي وليس لمسار العدالة الانتقالية، الذي يحتاج إلى حسم الأسئلة الرئيسة والكبرى من خلال تشريعات تحدد توجهات المساءلة وتُشرّع لـ”جرائم الحرب” و”الجرائم ضد الإنسانية” التي لا يعرفها قانون العقوبات السوري.
البعد الثاني: هو بعد سياسي مرتبط بالضغط الدولي والمتابعة الدولية اللصيقة للحكومة الانتقالية، ووجود إشكالية مع بداية المرحلة الانتقالية، تتطلب معالجة سياسية واجتماعية، حول القدرة على ضبط وحفظ الأمن والنظام العام في سوريا بعد سقوط النظام، وتتطلب تدخلًا رادعًا حقيقيًا بدأ مع لجنة تقصّي الحقائق وانتقل إلى المرحلة الثانية، وهي إطلاق المحاكمات حتى يشعر جميع السوريين بأن هناك قواعد قانونية تُطبّق على الجميع في هذه المرحلة.
خطر أن تشكل هذه المحاكمات “جرحًا إضافيًا”يرى الباحث في مركز “الحوار السوري” نورس العبد الله، أنه لكيلا تشكل المحاكمات الأخيرة حول أحداث الساحل “جرحًا إضافيًا”، وتسبب مزيدًا من الألم لضحايا نظام الأسد المخلوع وضحايا سنوات الثورة السورية وما قبلها، فالأمر بحاجة إلى جهد جماعي ينطلق بداية من السلطة العامة، ممثلة بالهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، والهيئة الوطنية للمفقودين، ووزارة العدل، ووزارة الداخلية، بحيث تُكثّف هذه الجهات في هذه المرحلة لقاءاتها وحديثها وشرحها.
وأيضًا يمكن تقديم رسائل رمزية جديدة حول قضية التحضير الجدي للمساءلة في مسار العدالة الانتقالية، بحسب حديث العبد الله إلى عنب بلدي، والسعي إلى حل إشكاليات يمكن إنجازها عمليًا عبر المسارات غير القضائية، كالعمل على استراتيجيات لجبر الضرر المستعجل، وتسريع عملية إعادة الحقوق لأصحابها، كحالة الموظفين المفصولين والإجراءات الخاصة بهم، ومسألة ردّ الممتلكات.
ويعتقد الدكتور في القانون العام أحمد قربي، أن طمأنة ذوي الضحايا الذين تعرضوا لانتهاكات في عهد النظام السابق، يتم عبر ثلاث خطوات هي:
- الإسراع في طرح مسودة قانون العدالة الانتقالية على الرأي العام، حتى يشعر الضحايا أن هناك خطوات عملية بدأت من أجل إنصافهم.
- من خلال الإجراءات الاحترازية أو الاحتياطية التي يمكن القيام بها من الآن، مثل إصدار مذكرات توقيف، وإلقاء الحجز الاحتياطي على أموال المتورطين والمجرمين.
- خطوة إعلامية، فلا بد من وضع الرأي العام في صورة تطوّر مسار العدالة الانتقالية.
الحقوقي والمتخصص في العدالة الانتقالية منصور العمري، قال لعنب بلدي، إن محاكمات جرائم عهد الأسد المخلوع تتطلب إطارًا قانونيًا لا يستوفيه القانون الوطني، وإن محاكمات جرائم عهد الأسد المخلوع يجري التحضير لها على قدم وساق، ويجب أن تقوم على أسس متينة تراعي جملة من الاعتبارات القانونية والاجتماعية والسياسية والمالية، تتطلب وقتًا وصبرًا من الجميع.
وأصدر الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، المرسوم رقم “149” لعام 2025 القاضي بتشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية في 28 من آب الماضي، التي تُعنى بكشف الحقيقة حول الانتهاكات التي تسبب بها النظام السابق، ومساءلة المسؤولين عنها بالتنسيق مع الجهات المعنية، وجبر الضرر الواقع على الضحايا، وتحقيق المصالحة الوطنية وترسيخ مبادئ عدم التكرار.
وفي 2 من تشرين الثاني الحالي، قال عضو الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية أحمد حزرومة، في مؤتمر حضرته عنب بلدي، إن الهيئة وضعت ستة مسارات أساسية للعمل عليها في إطار العدالة الانتقالية وهي:
- كشف الحقيقة، وهو مسار سيكون له دور كبير وفاعل في موضوع حقوق الملكية والعقارات، وفيما يتعلق بمنظومة الفساد التي كانت قائمة.
- العدالة والمساءلة.
- جبر الضرر.
- ضمان عدم التكرار.
- تخليد الذكرى والذاكرة الوطنية.
- أمل السوريين في بناء سوريا الجديدة من خلال السلم الأهلي.
ويرى الحقوقي والمتخصص في العدالة الانتقالية منصور العمري، أن العدالة الانتقالية في سوريا بدأت قبل تشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، وأن الحكومة السورية اتخذت الكثير من الخطوات والتدابير التي تؤسس للعدالة الانتقالية، ومقارنة بالتجارب المشابهة، فإن سوريا تخطو بسرعة في مسار العدالة الانتقالية. فمثلًا، حل الأجهزة الأمنية السابقة والجيش السابق، وإصلاح الجهاز القضائي، وإلغاء إجراءات منع السفر، وتجميد المرسوم “66”، كلها تعتبر من مكونات العدالة الانتقالية التي بدأت منذ الأشهر الأولى بعد سقوط النظام السابق.
إلغاء إجراءات منع السفر، وتجميد المرسوم “66”، كلها تعتبر من مكونات العدالة الانتقالية التي بدأت منذ الأشهر الأولى بعد سقوط النظام السابق.
منصور العمري
حقوقي متخصص في العدالة الانتقالية
وقال عضو هيئة العدالة الانتقالية أحمد حزرومة، إن المسارات الستة التي حددتها الهيئة تعمل حاليًا على وضع خطة استراتيجية، والخطط الاستراتيجية والاحتياجات تُبنى من خلال الاستماع إلى الناس والضحايا الحقيقيين، فقد قامت الهيئة بزيارات إلى مختلف المحافظات السورية، وفي كل منطقة هناك تحديات تختلف باختلاف طبيعة المنطقة، واختلاف الوجع، والاحتياجات، من منطقة لأخرى.
وحتى يكون بناء برامج العدالة الانتقالية حقيقيًا ويلبّي هذه الاحتياجات، تستمع الهيئة إلى الناس، وترى رؤيتهم للعدالة، لتبني من خلالها استراتيجية عملها.
حاولت عنب بلدي التواصل مع الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية للحديث عن أين وصل قانون العدالة الانتقالية، إلا أنها لم تحصل على رد حتى لحظة تحرير هذا التقرير.
مرتبط
إقرأ المزيد


