المفاوضات السورية- الإسرائيلية.. “طريق مسدود” باتجاه واحد
عنب بلدي -

عنب بلدي – ركان الخضر

أعلنت إسرائيل وصول المفاوضات مع سوريا إلى طريق مسدود، عقب رفضها المطالب السورية بالانسحاب من جميع النقاط التي احتلتها بعد 8 من كانون الأول 2024.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية (كان) عن مصادر لم تسمِّها أو تحدد مستواها، في 17 من تشرين الثاني الحالي، أن إسرائيل رفضت طلب الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، الانسحاب من جميع النقاط التي احتلها الجيش الإسرائيلي في سوريا بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وقالت المصادر، بحسب الهيئة، إن “إسرائيل ستنسحب من بعض هذه النقاط فقط مقابل اتفاق سلام شامل مع سوريا، وليس مجرد اتفاق أمني، وهو أمر لا يلوح في الأفق”.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، تحدث بكلام مشابه، في 16 من تشرين الثاني، حين قال، إن القوات الإسرائيلية ستحافظ على وجودها في جبل الشيخ والمنطقة العازلة في مرتفعات الجولان.
وأضاف عبر حسابه على “إكس”، “سيواصل جيش الدفاع الإسرائيلي سيطرته على قمة جبل حرمون والمنطقة العازلة بالجولان”.
تستعرض عنب بلدي في هذا التقرير الرسائل المستنتجة من هذا التصريح، ومدى تأثيره على مسار المفاوضات السورية- الإسرائيلية، والخيارات الممكنة أمام الحكومة السورية للرد على الإعلان الإسرائيلي الأخير.

أوراق ضغط في المفاوضات

الموقف الذي أفصحت عنه هيئة البث الإسرائيلية، بخصوص وصول المفاوضات السورية- الإسرائيلية إلى طريق مسدود، يجسد حقيقة الموقف الإسرائيلي القائم على الابتزاز والمناورة واستغلال الحالة التي تمر بها الدولة السورية عقب سقوط نظام الأسد، بحسب المحلل السياسي السوري حسن النيفي.

وقال النيفي، في حديث إلى عنب بلدي، إن إسرائيل تحاول التوغل في العمق السوري واحتلال نقاط جديدة داخل الجنوب السوري، بالموازاة مع عدوان مستمر على المرافق الحيوية، إضافة إلى المواقع العسكرية، متذرعة أن عدوانها المستمر هو نتيجة حاجات أمنية بالنسبة إليها، إلا أن واقع الحال يؤكد أن التوغل الإسرائيلي يرمي إلى حيازة أوراق قوة جديدة يمكن لإسرائيل استثمارها في أي مفاوضات مع سوريا.

ويرى المحلل السياسي السوري، أن الأوراق الجديدة تتمثل في حيازة الأرض وعدم الانسحاب منها إلا بأثمان أخرى، والتصريحات الإسرائيلية حول اشتراطها أن تكون المفاوضات مع سوريا من أجل الوصول إلى اتفاق سلام شامل، وليس مجرد اتفاق أمني هو دليل واضح على هذه الأهداف.
وأشار إلى أن إسرائيل قد تطالب الاحتفاظ بالجولان مقابل اتفاقية السلام التي تتحدث عنها، موضحًا أن التصريح الإسرائيلي لم يقدم جديدًا، بل هو يعكس استراتيجية إسرائيلية قائمة على التوسع والابتزاز.
من جانبه، يرى الصحفي والباحث السياسي السوري فراس علاوي، أن التصريح الإسرائيلي نوع من التصعيد في المفاوضات، وهو يفسر كنوع من التصعيد الإعلامي والسياسي.

لا يعتقد علاوي، في حديث إلى عنب بلدي، أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، ولكن أرادت إسرائيل من هذا التصعيد الضغط على الحكومة السورية، وفرض شروط أخرى، من أجل الحصول على مكاسب أكبر، وهذا معروف عن الحكومة الإسرائيلية، وفق رأيه.

وأشار إلى صعوبة المفاوضات السورية- الإسرائيلية، لكن هذا لا يعني أنها وصلت إلى طريق مسدود.

هل يمثل التصريح الإسرائيلي إعلان احتلال؟

يعتقد المحلل السياسي حسن النيفي أن ادعاء إسرائيل بأن وجودها في المناطق التي توغلت بها بعد سقوط نظام الأسد في الجنوب السوري لأسباب أو حاجات أمنية لا يلغي النتيجة أنه احتلال، لأنها تريد أن تساوم على انسحابها من تلك المناطق بمواقف سياسية، يمكن أن تنتزعها من سوريا.
ويختلف الباحث فراس علاوي مع النيفي في هذه النقطة، إذ لا يعتقد أن التصريح الإسرائيلي يمثل إعلانًا عن احتلال، موضحًا أن المفاوضات لا تخص الجولان لنقول إن هناك احتلالًا رسميًا للمنطقة، والأراضي التي تجري حولها المفاوضات تقع تحت السيادة السورية.

 خيارات الرد السوري

قال الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، إن من الصعب الحديث عن شرط إسرائيل حول وجود منطقة منزوعة السلاح بأكملها في الجنوب السوري، متسائلًا، “إذا حدثت أي فوضى، فمن سيحمي المنطقة؟”.

وأضاف الشرع خلال حوار مع صحيفة “واشنطن بوست” نشرت تفاصيله في 12 من تشرين الثاني الحالي، “في نهاية المطاف هذه أراضٍ سورية، ويجب أن تتمتع سوريا بحرية التعامل مع أراضيها”.
ولفت إلى أن إسرائيل وسعت نفوذها في سوريا، وطردت بعثة الأمم المتحدة واحتلت أراضي جديدة، مشيرًا إلى أن سوريا لم ترد على أكثر من ألف غارة جوية منذ 8 من كانون الأول 2024، لأنها تريد إعادة الإعمار.
الشرع قال، “نحن منخرطون في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، وقد قطعنا شوطًا طويلًا نحو التوصل إلى اتفاق”، لكن للتوصل إلى اتفاق نهائي، ينبغي لإسرائيل الانسحاب إلى حدود ما قبل 8 من كانون الأول 2024.
وحول خيارات الرد السوري على التصريح الإسرائيلي، بوصول المفاوضات إلى طريق مسدود، يرى المحلل السياسي السوري حسن النيفي، أن هناك مسارين أمام الحكومة السورية، الأول عسكري يجبر إسرائيل على الانسحاب من المناطق التي احتلتها، وهذا المسار غير متاح في الوقت الراهن لانعدام تكافؤ القوى.
بينما يبقى المسار الثاني هو الخيار الوحيد، المتمثل في المسار السياسي والدبلوماسي، عبر بناء تحالفات عربية وإقليمية ودولية، وإيجاد مصادر ضغط أممية وعربية من أجل الضغط على إسرائيل باستمرار.

وكذلك استثمار جميع العلاقات السورية مع الدول الأخرى، للدفع باتجاه إيجاد موقف وازن للضغط على إسرائيل.
من جهته يعتقد الصحفي والباحث السياسي فراس علاوي، أن الحكومة السورية تستطيع الضغط في هذا الملف من خلال عدة إجراءات وأوراق تمتلكها، من ضمنها التواصل مع الولايات المتحدة والدفع بالداعمين الإقليميين خاصة تركيا والسعودية للعب أدوار أكثر تأثيرًا بمسار المفاوضات، وأيضًا إحدى أوراق الضغط الأخرى تتمثل في زيارة الوفد العسكري الروسي الأخيرة إلى دمشق، التي تفتح المجال لاحتمالية الطلب من روسيا التدخل في ملف المفاوضات بالجنوب.

الموقف الأمريكي

أشار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في حديث للصحفيين، عقب لقائه الرئيس السوري، أحمد الشرع، في واشنطن، إلى أن الولايات المتحدة تعمل مع إسرائيل بشأن العلاقات مع سوريا قائلًا، “نحن نعمل أيضًا مع إسرائيل بشأن التوافق مع سوريا والتوافق مع الجميع”.
من جهته كشف المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توم براك، أن أحد الملفات التي تمت مناقشتها بين وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، ونظيريه، السوري أسعد الشيباني، والتركي هاكان فيدان، كان إعادة تعريف العلاقات التركية- السورية- الإسرائيلية.
وقال الرئيس السوري، “أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة في العالم القادرة على ضبط سلوك إسرائيل”.

وأضاف في حديثه إلى صحيفة “واشنطن بوست”، “من الواضح من خلال سياسات ترامب أنه يؤيد استقرار سوريا ووحدتها الإقليمية”.

كما نشرت وزارة الخارجية السورية، عقب اللقاء بين الرئيسين السوري والأمريكي، بيانًا ذكرت فيه أن اللقاء الذي استمر أكثر من ساعة، وناقش عدة ملفات من ضمنها الاتفاق الأمني بين سوريا وإسرائيل.
وأكد الجانب الأمريكي، بحسب الخارجية، دعمه التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل يهدف إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي.
برأي المحلل السياسي حسن النيفي، لا يمكن اختزال الموقف الأمريكي بالجانب الإعلامي فحسب، بل بمقدار قدرته على الضغط على إسرائيل من أجل انصياعها للتفاوض الأمني مع سوريا.
ويرى أن إدارة الرئيس الأمريكي لا تمارس ضغوطًا فعلية على إسرائيل حتى الآن، على الرغم من الانفتاح الذي شهدناه من قبلها تجاه دمشق.

واعتبر أن هذا الأمر من صميم الاستراتيجية الأمريكية ذات الموقف المزدوج على الدوام حين يتعلق الأمر بإسرائيل، وفق تعبيره.
بينما يعتقد الصحفي والباحث فراس علاوي، أن أهداف التصريح الإسرائيلي لا تقتصر على الضغط على الحكومة السورية فقط، بل تشمل أيضًا الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية كذلك بصفتها راعية المفاوضات، ومن هنا تأتي أهمية التصريح كونه جاء بعد التصريحات الأمريكية التي تحدثت عن دعمها للمفاوضات السورية- الإسرائيلية.

مرتبط

اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا

إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى



إقرأ المزيد