عنب بلدي - 12/4/2025 2:03:10 PM - GMT (+2 )
كشف تحقيق “ملفات دمشق” الاستقصائي الذي يستند إلى أكثر من 134 ألف سجل أمني واستخباراتي سوري حصلت عليها القناة الألمانية (NDR) وشاركتها مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ) و24 مؤسسة إعلامية، صورة “غير مسبوقة” لآلة القتل التي بناها النظام السوري السابق.
التحقيق الذي نشره الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين اليوم، الخميس 4 من كانون الأول، يوثق مقتل أكثر من عشرة آلاف معتقل عبر شهادات ووثائق وفاة وآلاف الصور التي التقطها مصوّرون عسكريون لجثث معتقلين قضوا تحت التعذيب أو الإهمال في السجون.
ولتفسير ما تصوّره هذه الصور، حلّل فريق من صحفيي “ICIJ” و”NDR” وصحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية عيّنة عشوائية من 540 صورة، فوجدوا أن ثلاثًا من كل أربع ضحايا تظهر عليهم علامات تجويع، بينما ظهرت آثار أذى جسدي على ثلثيهم تقريبًا، وكان نحو نصف الجثث عاريًا ومُلقى على الأرض أو فوق صفائح معدنية.
استمر التحقيق أكثر من ثمانية أشهر، شمل تنظيم وتحليل البيانات، والاستعانة بخبراء، وإجراء مقابلات مع عائلات سورية لا تزال تبحث عن مصير مفقوديها الذين اختفوا في قبضة أجهزة الأمن.
ورغم هذه الأدلة، تعكس كل صورة، وفق التحقيق، معاناة عائلة واحدة على الأقل، لا تزال تبحث عن جواب في بلد تغيّر نظامه، لكن لم تتبدد طبقات الصمت التي تراكمت فوق آلاف الجرائم.
وقابل “ICIJ” و”NDR” سبع عائلات تأكدت وفاة أبنائها عبر الوثائق، بعضهم تلقى من “ملفات دمشق” أول إثبات رسمي على وفاة أحد أفرادها، كما شاركت “NDR” قوائم الأسماء الواردة في الملف مع أربع منظمات غير حكومية وحكومية دولية، أملًا بأن تسهم في كشف مصير آخرين.
بيانات تمتد لثلاثة عقوداستند التحقيق إلى أكثر من 134 ألف ملف مكتوب باللغة العربية، بحجم 243 غيغابايت من البيانات، تمتد من منتصف التسعينيات حتى كانون الأول 2024، وتعود إلى المخابرات الجوية، وإدارة المخابرات العامة، وأجهزة أمنية أخرى.
تتضمن المواد مذكرات داخلية، وتقارير، ومراسلات توضّح آلية العمل اليومية لشبكة المراقبة والاعتقال التابعة للنظام، إلى جانب معلومات حول التنسيق مع حلفاء خارجيين مثل روسيا وإيران، ومع وكالات تابعة للأمم المتحدة تعمل داخل سوريا. وتشمل البيانات أيضًا أسماء محققين وضباط سابقين في أجهزة الاستخبارات السورية.
كما حصلت “NDR” على أكثر من 70 ألف ملف وصورة إضافية، بينها 33 ألف صورة عالية الدقة توثّق مقتل أكثر من 10,200 معتقل بين عامي 2015 و2024.
تتكوّن “ملفات دمشق” من مجموعتي بيانات تسلمتهما “NDR” في عام 2025 من مصدرين مختلفين.
المصدر الأساسي للصور كان رئيس “وحدة حفظ الأدلة” في الشرطة العسكرية بدمشق بين عامي 2020 و2024، والذي قام بنسخ الملفات إلى قرص صلب ثم تأمينه خلال فترة الثورة، بهدف فضح جرائم النظام، بحسب قوله، ووصلت البيانات إلى “NDR” عبر وسطاء.
مصير الوثائق والصورجمع فريق التحقيق قوائم تضم أكثر من 1,500 اسم لأشخاص اعتقلهم النظام السوري السابق أو قضوا داخل أماكن الاحتجاز، وشاركت “NDR” أسماء المعتقلين المستخرجة من الوثائق والصور مع:
- المؤسسة الأممية المستقلة للمفقودين في سوريا.
- مبادرة تعافي (Ta’afi).
- الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
- المركز السوري للدراسات القانونية والبحوث في ألمانيا.
كما حصل الادعاء العام الألماني والمركز السوري للدراسات القانونية على الصور بشكل مستقل.
“ماكينة إخفاء”تكشف الوثائق أن النظام السابق لم يكتفِ بقتل المعتقلين، وعمل بشكل ممنهج على إخفاء آثار الجرائم، وتُظهر الملفات أيضًا “جانبًا بيروقراطيًا قاتمًا”، حيث وجد المحققون معظم شهادات الوفاة موقّعة من أطباء في مستشفى “حرستا العسكري” ومستشفى “تشرين العسكري”، “المشهورين بسوء معاملة السجناء”.
وقال أحد الأطباء الذين عملوا سابقًا في حرستا لـ”NDR”، إن الاستمارات كانت مجهّزة مسبقًا، ويُطلب من الأطباء توقيعها دون معرفة التفاصيل الحقيقية للوفاة.
“الحكومة الجديدة تغلق الأرشيف”في الأيام الأولى لمرحلة ما بعد الأسد، سمحت السلطات الجديدة للمواطنين بتصوير الوثائق داخل الفروع الأمنية، لكنها منعت إخراج الوثائق الأصلية بحسب التحقيق، ومع تطوّر “قبضتها” على السلطة، أغلقت الأرشيفات نهائيًا، ورغم تشكيل لجنة رسمية للتحقيق في مصير المختفين، يقول الأهالي إنهم لم يتلقّوا إجابة واحدة عن سؤالهم الأساسي: أين أبناؤنا؟
وحجب إغلاق الأرشيف أسماء الضحايا، وأسماء المتورطين في الانتهاكات، وهو ما يثير مخاوف لدى الأهالي والناشطين من دفن الحقيقة وتفويت الفرصة لمحاسبة المجرمين المرتبطين بنظام الأسد المخلوع، وفق التحقيق.
صور “قيصر”التحقيق الاستقصائي يعيد إلى الواجهة المشاهد ذاتها التي ظهر جزء منها قبل أكثر من عقد مع صور “قيصر”، التي سرّبها مصوّر عسكري انشق عن النظام عام 2013.
يعود اسم “قيصر” إلى الضابط السوري المنشق عن النظام السوري، الذي سرّب 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل عام 2014، قُتلوا تحت التعذيب، أكد مكتب التحقيق الفيدرالي (FBI) صحتها، وأثارت الرأي العام العالمي حينه، كما أسفرت عن فرض الولايات المتحدة قانون “قيصر” الذي دخل حيز التنفيذ في 17 من حزيران 2020.
وفي 6 من شباط، كشف المذهان عن هويته وصورته الشخصية لأول مرة بعدما عرف لسنوات باسم “قيصر”.
وفي لقاء على قناة “الجزيرة”، لبرنامج “للقصة بقية”، أعلن “قيصر” أنه هو المساعد أول فريد المذهان، رئيس قلم الأدلة القضائية في الشرطة العسكرية بدمشق.
96 ألف مختفٍ قسرًايبلغ عدد المختفين قسرًا في سجون نظام الأسد منذ آذار 2011 حتى آب 2025، 96,321 شخصًا، بينهم 2329 طفلًا و5742 سيدة (أنثى بالغة)، بحسب بيانات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”.
وقدّرت “الشبكة السورية” أعداد المعتقلين المفرج عنهم من سجون النظام بعد سيطرة المعارضة على المدن بنحو 29 ألف معتقل ومختفٍ قسرًا، بينهم مئات الأطفال والنساء، وهو رقم يشمل من كان معتقلًا بسبب ارتكابه جرمًا جنائيًا والمختفين قسريًا.
ولا توجد إحصائية بعد المختفين قسرًا الذين أفرج عنهم، أو تقدير لعدد المختفين قسرًا من مجموع المفرج عنهم من مختلف السجون، الذين سجنوا لأسباب جنائية مثلًا.
توثيق “الشبكة السورية” يمكن ألا يكون شمل جميع المختفين قسرًا في معتقلات النظام.
وأوضحت مسؤولة التواصل في “الشبكة السورية” نور الخطيب، أن “الشبكة لم تكن تتوقع خروج أعداد كبيرة من المختفين قسرًا، وذلك بسبب عدة مؤشرات تدل على تخلص النظام من أعداد كبيرة منهم، وهي:
- بيانات المتوفين التي كان النظام يسجلهم ضمن دوائر النفوس و”الشبكة” تحصل بشكل مستمر على الآلاف من هذه البيانات عبر مصادر من جميع دوائر السجل المدني.
- بيانات الأشخاص الذين تعرضوا لعمليات إعدام فردية وجماعية.
- مراسيم العفو التي كانت تطلق سراح أعداد قليلة جدًا من المعتقلين أو المختفين قسريًا.
مرتبط
إقرأ المزيد


