إسرائيل تزعزع استقرار الجنوب بالتوغل وقضم الأراضي
عنب بلدي -

عنب بلدي – ركان الخضر

منذ اللحظة الأولى لسقوط نظام الأسد في 8 من كانون الأول 2024، أخذ التدخل الإسرائيلي منحى تصاعديًا، وبأشكال متعددة، بين عمليات قصف جوي وبري، وحملات تفتيش للمنازل وإقامة حواجز واعتقالات، وتجريف أراضٍ، وبناء بوابات ونصب حواجز.

كما استخدمت إسرائيل بعض أساليب استمالة أهالي المنطقة من خلال عرض بعض المساعدات الغذائية عليهم.

تحاول عنب بلدي أن تقدم تقريرًا بانوراميًا لأبرز مظاهر التوغل الإسرائيلي، وتأثيراته على السكان، وتقدم استقراء لمستقبل الملف في ضوء الوقائع على الأرض.

استهداف وضحايا

رصدت عنب بلدي تنفيذ 830 غارة جوية إسرائيلية، و15 عملية قصف مدفعي، وعملية إنزال جوي، و175 عملية تحليق للطيران تنوعت بين الحربي والمروحي وطيران الاستطلاع.

دمرت الهجمات الإسرائيلية أهم المواقع العسكرية في سوريا، بما في ذلك مطارات عسكرية، ومستودعات وأسراب طائرات ورادارات ومحطات إشارة عسكرية ومستودعات أسلحة وذخيرة ومراكز أبحاث علمية وأنظمة دفاع جوية ومنشأة دفاع جوي وسفن حربية.

ورصدت عنب بلدي مقتل 76 شخصًا وإصابة 121 آخرين جراء العمليات الإسرائيلية في سوريا.

قواعد عسكرية

بلغت مساحة المنطقة التي توغلت فيها القوات الإسرائيلية 346 كيلومترًا مربعًا، أقامت فيها تسع قواعد عسكرية، منها ثماني قواعد في القنيطرة شملت مرصد جبل الشيخ والتلول الحمر في الريف الشمالي، وقرص النفل في حضر، وحرش جباتا الخشب الذي يحوي مهبطًا للطيران المروحي، والحميدية، والعدنانية، وتل أحمر غربي في كودنة، والقنيطرة المهدمة، بالإضافة إلى قاعدة في سد الجزيرة في حوض اليرموك بريف درعا الغربي.

ترهيب يتخلله ترغيب

أنشأت القوات الإسرائيلية بوابة حديدية عند مدخل قرية الصمدانية الغربية بريف القنيطرة، عزلت القرية عن محيطها.

كما أقامت 260 حاجزًا مؤقتًا، واعتقلت بعض الشبان في المنطقة، منهم من قضى ساعات قبل أن يتم الإفراج عنه، بينما بلغ عدد المعتقلين الذين لم يُفرج عنهم 34 معتقلًا.

ورصدت عنب بلدي ثلاث عمليات اقتحام مستوطنين إسرائيليين للقنيطرة، محاولين إقامة مستوطنة في الداخل السوري قبل أن يعيدهم الجيش الإسرائيلي إلى داخل الجولان المحتل.

واستخدمت إسرائيل بعض محاولات الاستمالة لأهالي المنطقة، من خلال عرض المساعدات الغذائية، التي كان السكان دائمًا ما يرفضونها، ويقومون بإحراقها.

دبابة إسرائيلية عند الحدود السورية مع الجولان المحتل- 9 كانون الأول 2024 (رويترز)

مضايقات اجتماعية

الإعلامي محمد فهد، ذكر لعنب بلدي أن الجيش الإسرائيلي يقوم بمنع مربي المواشي من الوصول إلى المراعي، من خلال عمليات إطلاق نار واعتقال للرعاة، بالإضافة إلى احتجاز للمواشي لعدة أيام.

على مستوى الأراضي الزراعية قال فهد، إن القوات الإسرائيلية تمنع الأهالي من الوصول إلى أراضيهم، كما أنها قامت بتجريف 7000 دونم من الأراضي المزروعة بالعنب والتين والزيتون.

فهد أضاف أن الجيش الإسرائيلي قام بتقطيع أوصال القرى، وأضاف أعباء على السكان من خلال اضطرارهم إلى اتباع طرق طويلة تكلفهم وقتًا أطول وتكاليف أعلى في الوصول إلى أعمالهم.

الأهالي يطالبون، بحسب فهد، الحكومة السورية ومنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، والدول الصديقة والمؤثرة على المستوى العالمي، بالضغط على إسرائيل لإيقاف التوغل والعودة إلى اتفاق 1974.

وأضاف الإعلامي محمد فهد، وهو من أبناء القنيطرة، أن سكان المنطقة يقدّرون أن الدولة السورية في طور البناء والتأسيس، لكن المضايقات الإسرائيلية باتت تشكل عبئًا كبيرًا عليهم، مشيرًا إلى أن الحكومة تحاول أن تقدم بعض الخدمات للمنطقة، وتوجه بعض المنظمات لتقديم المساعدات لتشجيع السكان على الثبات في مناطقهم.

اشتباك مع القوات الإسرائيلية

مرت أغلب التوغلات الإسرائيلية في الجنوب السوري دون أي مواجهة مسلحة من قبل السكان، باستثناء عمليتين، الأولى في منطقة كويا في حوض اليرموك بريف درعا، في آذار 2025، اشتبك خلالها عدد من شبان القرية مع القوات الإسرائيلية المتوغلة في المنطقة.

وقام الجيش الإسرائيلي بعد الانسحاب من القرية بقصفها بالمدفعية الثقيلة، ما أسفر عن مقتل سبعة أشخاص.

أما العملية الثانية فكانت في منطقة بيت جن بريف دمشق في تشرين الثاني الماضي، حدث خلالها اشتباك بين الجيش الإسرائيلي وعدد من شبان القرية ما أدى إلى إصابة ستة جنود إسرائيليين، تبعه قصف إسرائيلي أدى إلى مقتل 14 مدنيًا وإصابة 24 آخرين.

تصريحات ومواقف

اعتبرت إسرائيل اتفاقية فض الاشتباك الموقعة مع الجانب السوري عام 1974 ملغاة بسقوط نظام الأسد، مبررة توغلها بمخاوف من فراغ أمني في الجنوب السوري، وسيطرة بعض الأطراف التي قد تتخذ من المنطقة منطلقًا لعمليات ضدها.

بينما أدانت الحكومة السورية التوغل الإسرائيلي واعتبرته انتهاكًا لسيادتها، مطالبة بالانسحاب الإسرائيلي من المنطقة والعودة إلى اتفاقية فصل القوات.

من جهة أخرى، ركزت أغلب المواقف الدولية على إدانة التدخل الإسرائيلي، معتبرة إياه انتهاكًا للسيادة السورية وخرقًا للقانون الدولي، وخطوة تزعزع الاستقرار في المنطقة.

“الممر الإنساني” يعرقل الاتفاق

رغم بعض المؤشرات التي ألمحت إلى قرب توقيع اتفاق أمني بين الطرفين قبيل اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الماضي، فإن مطلب إسرائيل بفتح “ممر إنساني” إلى السويداء عرقل العملية، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز” حينها عن أربعة مصادر مطلعة على المحادثات.

بعد ذلك، بات التوصل إلى حل بعيد المنال، فقد قال الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، خلال مقابلة مع صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، في 11 من تشرين الثاني الماضي، إن أي اتفاق مع إسرائيل سيشترط انسحابها إلى المواقع التي كانت تتمركز بها قبل سقوط نظام الأسد في 8 من كانون الأول 2024.

قبلها، في 16 من تشرين الثاني، صرح وزير الدفاع الإسرائيلي بأن الجيش الإسرائيلي لن ينسحب من جبل الشيخ، مؤكدًا أن القوات الإسرائيلية ستبقى في “المنطقة الأمنية” داخل سوريا.

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية (كان)، عن مصادر لم تسمِّها، في 17 من تشرين الثاني، أن إسرائيل رفضت طلب الرئيس السوري بالانسحاب من جميع النقاط التي احتلتها بعد سقوط نظام الأسد، معتبرة أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود.

قراءة تحليلية في الملف

يرى الباحث والصحفي السوري فراس علاوي، أن أبرز ما استوقفه خلال عام من التوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري هو قصف الطيران الإسرائيلي للعاصمة دمشق، واستهداف أماكن حيوية سورية، الأمر الذي وصفه بالاعتداء على السيادة السورية، بهدف فرض شروط إسرائيلية بالقوة.

من جهته، يرى المحلل السياسي حسام طالب، أن التوغل بحد ذاته هو أبرز ما استوقفه في هذا الملف، معتبرًا أن إسرائيل كان بإمكانها أن تتلقى فرصة سقوط النظام، وتحقق أهدافًا أمنية واستراتيجية أهم بكثير من السيطرة على المنطقة العازلة، التي أدت إلى فقدانها للأمن، من وجهة نظره.

نقطة أخرى استوقفت طالب، وهي الموقف الأمريكي الرافض للتوغل الإسرائيلي، رغم ضعف هذا الموقف وعدم تأثيره على التدخل الإسرائيلي.

الولايات المتحدة أرادت التوصل إلى اتفاق، برأي طالب، كونه يحقق المصلحة الأمنية الاستراتيجية ليس فقط لسوريا بل للمنطقة برمتها، أكثر من التوغلات التي وصفها بـ”الحماقة الإسرائيلية”.

المحلل السياسي السوري اعتبر أن هدف إسرائيل هو تقسيم سوريا، مشيرًا إلى أن هذا الأمر سيكون كارثيًا على كل المنطقة وليس على سوريا وحدها، وهو أمر لن يتحقق من وجهة نظره.

المحلل السياسي حسام طالب، لا يرى أن المخاوف الأمنية الإسرائيلية حقيقية، مضيفًا أن الروايات الإسرائيلية حول وجود بعض المجموعات المسلحة التي تهدد أمن إسرائيل في الجنوب السوري مثل بعض الميليشيات المعروفة بقربها من إيران هو أمر لا يتقبله العقل اليوم.

الباحث والصحفي فراس علاوي، يرى أن إسرائيل تريد اتفاقًا أمنيًا طويل الأمد، وإفراغ الجنوب من السلاح، والحصول على ضمانات من الحكومة السورية بعدم دخول أي أطراف معادية لإسرائيل جنوبي سوريا، أو اتفاق سلام تضمن فيه الحكومة السورية تبريد الجبهة مع إسرائيل عسكريًا وسياسيًا.

واعتبر علاوي أن أهداف إسرائيل تنقسم إلى قسمين، الأول معلن هو الاتفاق الأمني وتفريغ الجنوب، والثاني غير معلن هو الحصول على اتفاق سلام بالشروط الإسرائيلية.

الباحث السوري يرى أن الحكومة السورية قدمت أقصى ما يمكن أن تقوم به من تحركات سياسية ودبلوماسية، في ظل خروجها من حرب دمرت قدراتها العسكرية، مشيرًا إلى أنها لم ترد على التوغلات عسكريًا لكنها لم تمنع الرد الشعبي.

من جهته، اعتبر المحلل السياسي حسام طالب، أن إسرائيل قامت بقصف جميع المقدرات العسكرية السورية، الأمر الذي لم يكن ليحدث دون معلومات من رأس النظام المخلوع بشار الأسد حول أماكن هذا السلاح، معتقدًا أن هناك اتفاقًا بين نظام الأسد وإسرائيل بهذا الخصوص.

طالب اعتبر أن الحكومة السورية ليس بمقدورها الذهاب نحو مواجهة عسكرية، في ظل السلاح المتوفر لديها اليوم، لذلك لم يكن بالإمكان أفضل مما كان، مشيرًا إلى أن إسرائيل استغلت هذه المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد.

وأضاف المحلل السياسي أن بإمكان الحكومة السورية الضغط عبر الوسائل الدبلوماسية من خلال منظمة الأمم المتحدة وبعض الدول الصديقة، لتحقيق تقدم في الملف.

مستقبل الملف من وجهة نظر طالب يتوقف على وجهتين، الأولى سورية تتمثل في الطريق القانوني والمحاكم الدولية، والطلب من الدول الصديقة لوقف التوغل الإسرائيلي، والثانية هي التوصل إلى اتفاق أمني.

ورجح المحلل السياسي الذهاب إلى اتفاق أمني بسبب الدعم الأمريكي، مشيرًا إلى أن إسرائيل بدأت بالمرحلة الثانية بعد فشلها في تقسيم سوريا، باحثة عن الحصول على بعض المكاسب قبل الاتفاق، معتقدًا أن الحكومة السورية لن تتنازل عن مطالبها بانسحاب إسرائيلي كامل من المناطق التي توغلت فيها بعد 8 من كانون الأول 2024.

من وجهة نظر الباحث والصحفي فراس علاوي، فإن مستقبل الملف مرتبط بقدرة أمريكا على ضبط الصراع وتحديد قواعد الاشتباك بين الطرفين، وقدرة كل طرف على تقديم تنازلات للطرف الآخر، دون أن تؤثر هذه التنازلات على مكانته أمام جمهوره وشعبه.

مرتبط



إقرأ المزيد