عنب بلدي – شعبان شاميه
شهد العام الأول بعد سقوط النظام السابق في 8 من كانون الأول 2024 سلسلة تحولات لافتة في وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي، والتربية والتعليم، تمثلت في بنية المنظومتين الجامعية والتربوية وإجراءات إدارتهما.
برزت في مقدمة تلك التحولات محاولات لإعادة توحيد المرجعيات التعليمية، بدءًا من دمج جامعة “حلب الحرة” وجامعة “الشهباء” ضمن الجامعتين الأم في حلب وإدلب، وكذلك دمج المعاهد العاملة في الشمال السوري ضمن المجلس الأعلى للمعاهد.
وهو ما أنهى حالة التشتت المؤسساتي التي رافقت سنوات سابقة وأعاد لهذه الجهات مكانتها الرسمية ضمن النظام التعليمي الوطني، وفق ما قاله الباحث في شؤون التربية والتعليم العالي، وعميد كلية الهندسة المعلوماتية في جامعة “إدلب”، الدكتور مصعب الشبيب، لعنب بلدي.
هذا التوجّه نحو التوحيد لم يقتصر على الجامعات الحكومية، بل شمل أيضًا وضع الجامعات الخاصة في الشمال السوري تحت إشراف مجلس التعليم العالي، في خطوة تهدف إلى ضبط جودة المناهج والمخرجات ومنح الطلاب مظلة قانونية واضحة.
مؤتمرات علميةشهد عام 2025 نشاطًا ملحوظًا في تنظيم المؤتمرات العلمية على المستوى الوزاري في دمشق، قال الشبيب، من أبرزها المؤتمر الطبي الذي جمع خبراء من مختلف التخصصات، وناقش قضايا تدريب الكوادر الصحية والبحث السريري، إضافة إلى عدد من المؤتمرات العلمية المتخصصة في مجالات الهندسة والتقانة.
وضمن هذا السياق جاءت فعاليات مثل مؤتمر “سفير” للتحول الرقمي، الذي وإن لم يكن الحدث الأبرز، إلا أنه أسهم في دعم توجه الوزارة نحو رقمنة الخدمات الجامعية وتعزيز الوعي بأهمية بناء قواعد بيانات ومنصات معلومات مركزية.
إعادة المنقطعينعلى المستوى الأكاديمي، اتخذت الوزارة قرارات ذات أثر مباشر على فرص التعليم، كان أهمها السماح بإعادة المنقطعين عن الدراسة بسبب ظروف الثورة إلى مقاعدهم الجامعية، وكذلك السماح بـ”التجسير” لطلاب المعاهد ممن تجاوز معدلهم 65% بجامعة “إدلب” في نظامي التعليم العام والموازي، مما شكّل دفعة معنوية ومسارًا جديدًا لاستكمال الدراسة الجامعية لفئة واسعة من الشباب، بحسب ما قاله الباحث الأكاديمي مصعب الشبيب.
كما سعت الوزارة، في إطار دعم البحث العلمي، إلى اعتماد قوائم محددة للجامعات والمجلات العلمية الموثوقة، بهدف رفع جودة النشر وضبط عمليات الترقية الأكاديمية.
وإلى جانب ذلك، اتُّخذ قرار يتعلّق بإعادة المعيدين العائدين من الإيفاد وتسوية أوضاعهم، في محاولة للاستفادة من خبراتهم وسد النقص المتزايد في الكوادر التدريسية.
بحسب الشبيب، يمكن القول إن الوزارة نجحت في إعادة توحيد البنية التعليمية عبر دمج الجامعات والمعاهد وضبط عمل الجامعات الخاصة، وهو ما يُعدّ إنجازًا إداريًا في ظرف معقد. كذلك شكّل نشاط المؤتمرات العلمية، وفي مقدمتها المؤتمر الطبي، خطوة لإحياء الحراك الأكاديمي والبحثي. أما على مستوى الطالب فقد نجحت الوزارة في فتح مسارات أكاديمية جديدة مثل “التجسير”، وفي تنظيم القبول الجامعي عبر المفاضلة المركزية الموحدة التي رغم تحدياتها الكثيرة وفّرت إطارًا أكثر عدالة وشفافية.
طلاب داخل أحد الصفوف الدراسية في مدرسة معر شمارين الابتدائية في قرية معر شمارين بريف إدلب – 19 تشرين الأول 2025 (AP)
على الرغم من الإيجابيات، ما زالت ملفات متعددة تشكّل نقاط ضعف ملحوظة، يرى الشبيب، فكثير من أعضاء الهيئة التدريسية الذين غادروا البلاد يواجهون صعوبات كبيرة في العودة، سواء بسبب الكفالات المالية أو الإجراءات الإدارية المعقدة، وهو ما يهدد بقاء الكفاءات خارج النظام الجامعي.
كما ظهرت مشكلات تقنية في المفاضلة المركزية، أبرزها قصور الوعي التقني لدى بعض الطلاب، والأخطاء المتعلّقة بتسلسل الرغبات.
وفي مفاضلة الدكتوراة، لا تزال التحديات المتعلّقة بالجامعة الأم والنشر الخارجي قائمة، إذ يجد الباحثون صعوبة في تلبية متطلبات النشر العالمي في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
كما أن تأخر تنفيذ التعليمات التنفيذية المتعلقة بدمج جامعة “حلب الحرة” أدى إلى اضطراب إداري ومالي أثر على الطلاب والموظفين، تابع الشبيب.
ولا يزال الوضع المعيشي المتدهور للكوادر الإدارية والعلمية أحد أبرز العوائق أمام تطوير التعليم الجامعي في سوريا، كما أن البنية التحتية للجامعات، من مخابر وشبكات وإنترنت، لا تزال بحاجة إلى تحديث جذري، إضافة إلى حاجة الجامعات إلى مشاريع طاقة متجددة لتجاوز أزمة الكهرباء التي تعطل العملية التعليمية والبحثية بشكل يومي.
ما الذي ينتظره القطاعيتطلّع الطلاب والباحثون وأعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات السورية، بحسب الشبيب، إلى قرارات طال انتظارها، أبرزها:
- إعلان مسابقات معيدين بشكل دوري لتجديد الدماء الأكاديمية.
- إطلاق مسابقات توظيف لأعضاء هيئة تدريسية وفنية لسد النقص الكبير في الكوادر.
- تبسيط إجراءات عودة الأساتذة من الخارج بصورة تراعي ظروفهم الداخلية والخارجية.
- تحسين بيئة البحث العلمي وإعادة تأهيل المخابر والبنى التحتية.
إن ما تحقق خلال عام واحد يستحق التقييم بوصفه خطوة في اتجاه الإصلاح، وفق الشبيب، لكنه لا يكفي ما لم يُستكمل بإجراءات تمس جوهر العملية التعليمية، إذ قطعت الوزارة شوطًا مهمًا، لكن مستقبل التعليم العالي في سوريا ما زال رهنًا بقدرتها على تحويل القرارات إلى نتائج عملية يشعر بها الطالب والمجتمع والجامعة على حد سواء.
الواقع التربويتشكّل وزارة التربية والتعليم محورًا أساسيًا في بناء الثقة الاجتماعية، وإعادة تشكيل الوعي والمهارات لدى الجيل الجديد، فالمدرسة، بمراحلها الابتدائية والإعدادية والثانوية، تُعدّ حجر الأساس في إعادة بناء الإنسان السوري، وهو ما يجعل تقييم أداء الوزارة بعد عام من العمل ضرورة وطنية لفهم أين نقف، وإلى أين نتجه؟
من أبرز نقاط القوة التي ظهرت خلال هذا العام نجاح وزارة التربية والتعليم في تأمين الامتحانات والشهادات بشكل آمن ومنظّم، سواء بالنسبة لشهادة التعليم الأساسي أو الشهادة الثانوية، قال الباحث في شؤون التربية والتعليم الدكتور مصعب الشبيب، لعنب بلدي.
وقد جرت الامتحانات دون حوادث تُذكر، وهذا منح الأهالي والطلاب شعورًا بالثقة والاستقرار في واحدة من أهم محطات حياتهم، في حين فشلت الوزارة بإكمال العملية الامتحانية في السويداء على خلفية الأحداث التي شهدتها المحافظة في تموز الماضي.
تأهيل المدارسواصلت الوزارة جهودها في إعادة تأهيل المدارس المتضررة وافتتاح عدد ملحوظ منها، ما سمح لآلاف الطلاب بالعودة إلى مقاعد الدراسة.
إلى جانب ذلك، برزت جهود في تطوير بعض المناهج وتحديث محتواها لإدخال مفاهيم التفكير النقدي والتعلّم التطبيقي، إضافة إلى توسيع برامج التدريب التربوي للكوادر التعليمية بما يتناسب مع التطور العالمي في طرق التدريس.
ومن الإيجابيات أيضًا تعزيز التعليم المهني والتقني في المرحلة الثانوية لتقليل الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، ومحاولة تنظيم الدوام المدرسي للحد من الاكتظاظ في بعض المناطق.
وفي خطوة لامركزية، منحت وزارة التربية والتعليم صلاحيات كبيرة للمديريات المحلية بالمحافظات، إذ فوّضتهم بعدد كبير من الصلاحيات التي كانت بيد الوزير، بهدف “تحسين جودة التعليم وتكييف السياسات حسب ظروف كل محافظة”.
أبرز القرارات التربويةشهد هذا العام اتخاذ عدد من القرارات والإجراءات، مثل:
- إعادة هيكلة الكوادر التعليمية لسد النقص وترميم الشواغر للاستفادة من الموارد البشرية بالصورة الأمثل.
- إطلاق مبادرات للدعم النفسي والتربوي للطلاب.
- تحسين نماذج أسئلة الامتحانات لتقليل اعتمادها على الحفظ البحت.
- تطوير بعض التجهيزات المدرسية حيثما توفرت الإمكانات.
ويمثل ذلك خطوة على طريق طويل، لكنها عكست رغبة الوزارة في إعادة ضبط العملية التعليمية رغم التحديات.
أخطاء وتحدياتتواجه وزارة التربية والتعليم مجموعة من التحديات الجوهرية التي أثّرت بشكل مباشر على العملية التعليمية خلال هذا العام، وفق الشبيب، أهمها:
- نوع المناهج والجهات التعليمية: في بعض المناطق (خاصة خارج سيطرة الحكومة المركزية سابقًا أو في أثناء الحرب) ظهر تعليم موازٍ، أي جهات تعليمية غير تابعة للوزارة، وهو ما يخلق صعوبة في تحقيق وحدة وطنية بالمنهج.
- عمليات التقييم المستمرة للمعلمين المتعاقدين من الفئة الأولى والمعينين بموجب مسابقات نظامية اعتبارًا من عام 2020 وتواتر الأحاديث من قبل بعض المصادر التربوية عن احتمالية الاستغناء عن خدماتهم، أثرت بشكل كبير على استقرار واقع هؤلاء المعلمين، مع التأكيد على ضرورة تثبيت هذه الشريحة المهمة والاستفادة من خبراتها التي تشكلت خلال السنوات الماضية، بعيدًا عن ذرائع الفائض، خاصة أن طبيعة القطاع التربوي يحتاج إلى كوادر بشكل دوري، إذ قامت مديرية تربية طرطوس على سبيل المثال هذا العام بإدخال آلاف المعلمين على أبواب التقاعد إلى الصف، وهذا سيعمق الاحتياج إلى المعلمين المتعاقدين من مختلف الاختصاصات بعد فترة وجيزة.
- ملف دمج معلمي الشمال السوري: واجهت العديد من الكوادر التعليمية تأخرًا في إنجاز ملفات دمجهم، ما أدى إلى حالة من عدم الرضا، ونتجت عنه وقفات احتجاجية أمام مديريات التربية للمطالبة بتسريع الإجراءات وضمان حقوقهم.
- تأخر تسليم الكتب المدرسية: وهي مشكلة تكررت في عدة محافظات، إذ لم تصل الكتب إلى المدارس في الوقت المناسب، مما أضر بانطلاقة العام الدراسي، وأجبر المعلمين والطلاب على الاعتماد على نسخ قديمة أو مطبوعة بشكل فردي وعلى نفقتهم الخاصة.
- تأخر نتيجة معادلة الشهادات غير السورية: عانى بعض الطلاب من بعض الروتين والتأخر في معادلة الشهادات الأجنبية داخل مديريات التربية، ما أثر على نفسية الطلاب في مرحلة حساسة هي مرحلة التسجيل الجامعي (المفاضلة) وخلق حالة من القلق بانتظار حسم النتيجة النهائية للتعديل.
- ضعف البنية التحتية ونقص الكوادر: لا تزال الوزارة تواجه تحديات في تجهيز المدارس، وتأمين الكادر التدريسي الكافي، وخاصة في المواد العلمية واللغات والإداريين، بالإضافة إلى الحاجة الملحة لتحديث شامل للمناهج بما يتوافق مع متطلّبات العصر.
- ضعف الرواتب: وهو التحدي الأكبر والأعمق، إذ يبقى المعلم السوري في مواجهة فجوة صعبة بين دخله وتكاليف المعيشة، ما يهدد جودة التعليم واستمرارية الخبرات والكفاءات.
ما سبق يؤكد أن وزارة التربية والتعليم حققت إنجازات في تأمين الامتحانات واستمرارية التعليم، لكنها تقف أيضًا أمام تحديات كبيرة تحتاج إلى حلول عملية وشجاعة وعدم الانغلاق على نفسها، والانفتاح على وسائل الإعلام من خلال التعاون مع صحافة الحلول، فالتعليم هو المدخل الحقيقي للنهوض، والمعلم هو الركيزة الأولى لأي إصلاح، وتحسين الواقع التربوي هو الخطوة الأولى لإعادة بناء سوريا.
مرتبط


