سوريا ترتب أوراق البيت الداخلي
عنب بلدي -

عنب بلدي – محمد كاخي

لم ينتظر الثوار الداخلون إلى دمشق كثيرًا قبل أن يبدؤوا عملية إعادة ترتيب وهيكلة السياسات الداخلية في سوريا، فبعد أن قامت “إدارة العمليات العسكرية” بضبط العاصمة وحفظ الممتلكات العامة، أعلنت أن الحكومة الجديدة ستبدأ أعمالها فور تشكيلها.

وبينما تصدّرت أخبار هروب الأسد المخلوع الشاشات، كانت البلاد تُدفع إلى غرفة العمليات دفعة واحدة، فأجرت حكومة “الإنقاذ” التي عملت في إدلب سابقًا، في 9 من كانون الأول 2024، جلسة مع مسؤولين في حكومة النظام السوري السابق من أجل نقل المؤسسات وتسليم الملفات من الأخيرة إلى الحكومة الجديدة.

وبعد ذلك، كلفت “القيادة العامة” في سوريا، في 10 من كانون الأول 2024، محمد البشير رئيسًا لحكومة تسيير أعمال، وذلك لفترة مؤقتة حتى 1 من آذار 2025.

وفي 30 من آذار الماضي، أعلن الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تشكيل الحكومة السورية الانتقالية الجديدة، وقال الرئيس الشرع في مراسم إعلان الحكومة حينها، إن سوريا تشهد ميلاد مرحلة جديدة في مسيرتها الوطنية، وإن “البلاد تواجه تحديات كبيرة تتطلب منا التلاحم والوحدة”.

وحدد الشرع في اجتماعه الوزاري الأول الذي عقده مع وزراء الحكومة الانتقالية الجديدة، في 8 من نيسان الماضي، أولويات العمل الحكومي، والمسؤوليات التي تضطلع بها الوزارات المختلفة، مشددًا على أهمية ملف إعادة الإعمار، وضرورة وضع خطط استراتيجية لتنظيم المدن والبلدات، والترابط الحضاري والثقافي مع العمران ومراعاة أولوية المواطن السوري، وإصلاح الخراب الذي ألحقه النظام السابق ببنية الدولة، وخصوصًا في النظم الاقتصادية والمالية.

بناء الدولة يجب أن يتم بفكر الدولة وليس بفكر الثورة أو الفصائل المسلحة.

أحمد الشرع

الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية

مؤتمر النصر.. البداية من “قصر الشعب”

وصلت قوات “إدارة العمليات العسكرية” إلى دمشق في 8 من كانون الأول 2024، بعد معركة استمرت 11 يومًا، بدأت من ريف حلب الغربي وانتهت في حمص، هرب إثرها رئيس النظام السوري المخلوع، بشار الأسد، إلى القاعدة الروسية في اللاذقية ومنها إلى موسكو.

وفي 29 من كانون الثاني الماضي، اجتمعت فصائل المعارضة المسلحة في قصر “الشعب” بدمشق، وأعلن المجتمعون من هناك انتصار الثورة السورية واعتبار 8 من كانون الأول من كل عام عيدًا وطنيًا، وتولية أحمد الشرع رئاسة سوريا في المرحلة الانتقالية، وتفويضه بتشكيل مجلس تشريعي مؤقت، وحل حزب “البعث” وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية وحظر إعادة تشكيلها، وحل الأجهزة الأمنية والجيش، وتشكيل مؤسسة أمنية جديدة وبناء جيش جديد على أسس وطنية، وحل مجلس الشعب، وإلغاء العمل بدستور سنة 2012، وحل جميع الفصائل العسكرية، والأجسام الثورية والسياسية والمدنية، ودمجها في مؤسسات الدولة.

فصائل شاركت في مؤتمر النصر:

هيئة تحرير الشام، حركة أحرار الشام، جيش العزة، جيش النصر، أنصار التوحيد، فيلق الشام، القوة المشتركة، جيش الأحرار، جيش الإسلام، جيش سوريا الحرة، حركة نور الدين الزنكي، الجبهة الشامية، حركة التحرير والبناء، فرقة السلطان مراد.

وغاب عن المؤتمر حينها كل من قائد “اللواء الثامن”، أحمد العودة، الذي أرسل ممثلين عنه إلى المؤتمر، بالإضافة إلى جميع قادة الفصائل في السويداء. وقال مصدر من السويداء لموقع “المدن” حينها، إن القادة جميعهم قاطعوا المؤتمر بقرار جماعي، بمن في ذلك قادة فصائل عشائر البدو، بسبب الاعتراض على طريقة دعوتهم إلى المؤتمر.

وذكر الموقع أن فصيلًا واحدًا فقط، لم يُسمّه، تلقى دعوة رسمية بشكل مباشر من قبل القائمين على المؤتمر، وقام هو بنفسه بتوزيع الدعوات على الباقين، مما سبّب حالة من الامتعاض بينهم، لاعتبارها “دعوة رفع عتب”. وقال، “كانت هناك مواقف متفاوتة، فهناك فصائل كانت لديها رغبة بالحضور، بينما أخرى اعترضت على شكل الدعوة وطريقة توجيهها، وعدم معرفة أجندة المؤتمر، ودورها فيه”، وبالتالي فإن غيابها لا يعتبر عداء ودخولها بخلافات مع الشرع.

مؤتمر الحوار الوطني.. “قسد” غائبة

انطلقت أعمال مؤتمر الحوار الوطني السوري في 24 من شباط الماضي بدمشق، وسط حضور تجاوز 600 مشارك من محافظات مختلفة، في المحطة السياسية التي وُصفت بأنها “اختبار أولي لجدية المرحلة الانتقالية”.

وتناقش المجتمعون عبر ست ورشات عمل مخصصة لقضايا العدالة الانتقالية والبناء الدستوري وإصلاح المؤسسات والحريات العامة ودور المجتمع المدني والمبادئ الاقتصادية.

ورغم تأكيد اللجنة التحضيرية أن المؤتمر ثمرة أكثر من 30 لقاء نفذتها في المحافظات واستفادت خلالها من نحو أربعة آلاف مشاركة وقرابة 2200 مداخلة مكتوبة، تعرضت العملية لانتقادات حادة تتعلق بآلية الدعوات وغياب معايير واضحة للتمثيل، إلى جانب وصول الدعوات قبل أقل من 48 ساعة من الافتتاح، ما دفع شخصيات سياسية وأكاديمية إلى الاعتذار عن عدم الحضور.

وفي الجلسات التحضيرية التي سبقت المؤتمر، ظهرت شكاوى من فوضى في إدارة الحوار وتجاوز جدول الأعمال، في وقت قالت فيه اللجنة، إن التوصيات النهائية ستُبنى عليها خطوات إعلان دستوري مؤقت وخطط إصلاح مؤسسي.

ومع غياب جدول زمني كافٍ لنقاش الملفات الأساسية، راهن القائمون على أن يشكل المؤتمر “مدخلًا” لصياغة عقد اجتماعي جديد، في حين يراه منتقدوه خطوة رمزية لا ترقى لمستوى الاستحقاقات العميقة المتعلقة بعلاقة السلطة مع القوى المحلية، ومستقبل الإدارة في الشرق والجنوب، وشكل النظام الدستوري المقبل.

وغاب كل من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وحزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD) عن المؤتمر، وسط سجالات متبادلة بين اللجنة التحضيرية والقوى السياسية في شمال شرقي سوريا. وقال المتحدث باسم اللجنة التحضيرية حينها، حسن الدغيم، في مؤتمر صحفي حضرته عنب بلدي، في 13 من شباط الماضي، إن “قسد” لا تمثل الكرد ولن تُدعى إلى المؤتمر، معتبرًا أن “لا أحد يملك امتيازًا أو جزءًا محتجزًا من الوطن”، ومشددًا على أن المشاركة محصورة بمن “يلقون السلاح ويندمجون في مؤسسات الدولة”.

وعلى الجهة المقابلة، رفضت قيادة “الاتحاد الديمقراطي” الاعتراف بشرعية المؤتمر أو مخرجاته، وقال عضو الهيئة الرئاسية للحزب صالح مسلم، إن المؤتمر “لا يمثل فسيفساء المجتمع السوري”، وإن مناطق شمال شرقي سوريا “غير ملزمة بتطبيق قراراته”، معتبرًا أن تغييب مؤسسات “الإدارة الذاتية” و“مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) محاولة لإقصاء المكوّنات التي تسيطر على المنطقة.

من مخرجات مؤتمر الحوار الوطني:
  • الحفاظ على وحدة الجمهورية العربية السورية ورفض التقسيم.

  • إدانة التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية والمطالبة بالانسحاب الفوري وغير المشروط.

  • حصر السلاح بيد الدولة، وبناء جيش وطني احترافي.

  • الإسراع بإعلان دستوري مؤقت يتناسب مع متطلبات المرحلة الانتقالية.

  • ضرورة الإسراع بتشكيل المجلس التشريعي المؤقت الذي سيضطلع بمهام السلطة التشريعية وفق معايير الكفاءة والتمثيل العادل.

  • تشكيل لجنة دستورية لإعداد مسودة دستور دائم للبلاد.

  • تعزيز الحرية كقيمة عليا في المجتمع.

  • احترام حقوق الإنسان، ودعم دور المرأة في كافة المجالات، وحماية حقوق الطفل، ورعاية الإعاقة، وتفعيل دور الشباب في الدولة والمجتمع.

  • ترسيخ مبدأ المواطنة، ونبذ كافة أشكال التمييز على أساس العرق أو الدين أو المذهب، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بعيداً عن المحاصصة العرقية والدينية.

  • تحقيق العدالة الانتقالية من خلال محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات، وإصلاح المنظومة القضائية، وسن التشريعات اللازمة والآليات المناسبة لضمان تحقيق العدالة، واستعادة الحقوق.

  • ترسيخ مبدأ التعايش السلمي بين جميع مكونات الشعب السوري، ونبذ كافة أشكال العنف والتحريض والانتقام بما يعزز الاستقرار المجتمعي والسلم الأهلي

  • إصلاح المؤسسات العامة وإعادة هيكلتها والبدء بعملية التحول الرقمي، والنظر في معايير التوظيف على أساس الوطنية والنزاهة والكفاءة.

  • ضرورة مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في دعم المجتمع.

  • تطوير النظام التعليمي وإصلاح المناهج، ووضع خطط تستهدف سد الفجوات التعليمية، وضمان التعليم النوعي، والاهتمام بالتعليم المهني لخلق فرص عمل جديدة.

رجال دين يصافحون الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع – 25 شباط 2025 (مؤتمر الحوار الوطني السوري)

الإعلان الدستوري.. عهد جديد للتشريع

تسلّم الرئيس السوري، أحمد الشرع، في 13 من آذار الماضي، المسودة النهائية للإعلان الدستوري من لجنة الخبراء التي شُكّلت مطلع الشهر ذاته، ليوقّع عليها معلنًا بدء مسار دستوري جديد قال إنه يهدف إلى “استبدال الجهل بالعلم والعذاب بالرحمة”.

وعلى امتداد أسبوعين من النقاشات، اعتمدت اللجنة، المؤلفة من سبعة أكاديميين وقانونيين سوريين، على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني و“العرف الدستوري” للبلاد، لتضع مسودة مؤلفة من أربعة أبواب تحدد ملامح الحكم خلال السنوات الخمس الانتقالية، بفصل تام بين السلطات، وإلغاء منصب رئيس الوزراء، ومنح مجلس الشعب السلطة التشريعية كاملة، مقابل سلطة تنفيذية يمسك بها الرئيس.

وأوضحت اللجنة أن الإعلان يتضمن ضمانات للحقوق والحريات، وتأكيدًا على استقلال القضاء، وإلغاء المحاكم الاستثنائية، وتأسيس هيئة عليا للانتخابات وأخرى للرقابة الدستورية، إلى جانب نصوص ترسخ وحدة البلاد، وتكفل حقوق الملكية وحقوق المرأة، وتحصر السلاح بيد الدولة، وتضع الجيش في موقع “حماية الوطن والمواطن”.

كما تضمّن الإعلان الدستوري مادة تجرّم تمجيد نظام الأسد البائد ورموزه، وتعد إنكار جرائمه أو الإشادة بها أو تبريرها أو التهوين منها، جرائم يعاقب عليها القانون.

الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع يوقع على مسودة الإعلان الدستوري – 13 من آذار 2025 (سانا)

انتخابات “هجينة” لمجلس الشعب

فوّض قادة الفصائل في مؤتمر النصر، الرئيس أحمد الشرع بتشكيل مجلس تشريعي مؤقت، إلا أن الإعلان الدستوري الذي صدّق عليه الشرع في 13 من آذار الماضي، تضمنت المادة “24” منه تشكيل لجنة لانتخاب أعضاء مجلس الشعب، مع تعيين الرئيس ثلث أعضاء المجلس فقط، وهو ما يدعى قانونيًا بـ”الآلية الهجينة” (التعيين والانتخاب غير المباشر).

ويتم اللجوء إلى تلك الآلية عادة في بيئات شديدة التعقيد، عبر القيام بدمج أسلوب التعيين والتمثيل القطاعي أو المناطقي أو القوى السياسية والمجتمعية، والتي رآها الحقوقي والباحث في مركز “الحوار السوري” نورس العبد الله، آلية واقعية، خصوصًا في الأشهر الأولى للمرحلة الانتقالية، وذلك لأولوية الدور المطلوب من مجلس الشعب في المرحلة الحالية، وهي أدوار استثنائية مرتبطة بإحداث ثورة قانونية تستجيب للتغيرات على أرض الواقع أكثر من الدور السياسي، بحسب العبد الله.

وعقب تشكيل “اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب” في 13 من حزيران الماضي، أصدرت النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب في 20 من آب، بعد أن صدّق عليه الرئيس السوري، أحمد الشرع، وتضمّن النظام تشكيل لجان قانونية، ولجان طعون، ولجان فرعية، مهمتها تنظيم العملية الانتخابية والإشراف عليها تحت مظلة “اللجنة العليا”.

قامت العملية الانتخابية بحسب النظام الانتخابي الذي أصدرته “اللجنة العليا”، على إحداث لجنة انتخابات فرعية في كل دائرة انتخابية بالمحافظات، وتقوم هذه اللجان، بعد التشاور مع المجتمعات والفعاليات الرسمية المحلية بتعيين الهيئة الناخبة، التي ستقوم بانتخاب أعضاء مجلس الشعب من ضمن أعضائها.

وتم حساب عدد أعضاء الهيئة الناخبة في كل دائرة انتخابية، بضرب عدد المقاعد المخصص لتلك الدائرة بالرقم 50، فمثلًا، عدد مقاعد محافظة حلب هو 32، وبالتالي عدد أعضاء الهيئة الناخبة في المحافظة هو 1600، بعد ضربه بالرقم 50.

ويجب أن تتوفر في عضو مجلس الشعب مجموعة من الشروط، أهمها “ألا يكون من داعمي النظام البائد والتنظيمات الإرهابية بأي شكل من الأشكال، وألا يكون من دعاة الانفصال والتقسيم أو الاستقواء بالخارج”.

وفي 6 من أيلول الماضي، أصدرت اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب القرار رقم “66”، والمتضمن النتائج الأولية لانتخابات مجلس الشعب للدوائر الانتخابية في المحافظات السورية.

وأظهرت نتائج الانتخابات ضعف التمثيل النسائي إذ شكلت النساء نحو 14% من المرشحين، و4% فقط من الناجحين. كما ترشح الحاخام هنري حمرا كأول يهودي سوري يترشح لمنصب في سوريا منذ أن فرض الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد قيودًا على الجالية اليهودية في البلاد عام 1967، إلا أنه لم ينجح لاحقًا بالفوز في مقعد عن محافظة دمشق.

انطلاق عملية التصويت لاختيار أعضاء مجلس الشعب في سوريا من أعضاء الهيئات الناخبة في المكتبة الوطنية بدمشق – 5 تشرين الأول 2025 (عنب بلدي/ أحمد مسلماني)

“بناء جسور حقيقية” مع الشعب

قال عضو اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب، أنس العبدة، إن نحو 800 قانون سارٍ في سوريا تسبب ضغطًا كبيرًا على المواطنين والوزارات وتحتاج إلى إعادة نظر للتعديل أو الإلغاء.

وأضاف العبدة في مقابلة مع قناة “الإخبارية السورية” الحكومية، في 1 من تشرين الثاني الماضي، أن القوانين والتشريعات تمرر وفق موافقة الأغلبية أو الثلثين عند الحاجة، مشيرًا إلى أن المجلس سيعمل على إقرار قوانين تعزز الخدمات وتخفف الأعباء عن المواطنين.

العضو في مجلس الشعب نور جندلي، قالت لعنب بلدي، إن ⁠⁠أولى مهام المجلس بعد القسم ستكون صياغة نظام داخلي عصري وشفاف ينظم آلية العمل داخل المجلس، ويحدد صلاحيات اللجان ويعزز الرقابة ويرسخ استقلالية المؤسسة التشريعية.

وسيعمل المجلس، وفق جندلي، على تحديد أولويات القوانين الأكثر إلحاحًا كل حسب اللجان التي سيكون ضمنها، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الحوكمة والإصلاح، ثم البدء بإعدادها بطريقة منهجية تُلبي حاجات المواطنين.

واعتبرت جندلي، في حديثها إلى عنب بلدي، أن أهم ركائز المرحلة هي بناء جسور حقيقية بين الناس والمجلس عبر اللقاءات الدورية، وفتح أبواب المجلس أمام آراء المواطنين ومطالبهم.

كيف يمارس البرلمان أدواره الرقابية على السلطة التنفيذية؟

تُرسم مساحة العمل المتاحة لمجلس الشعب في المرحلة الانتقالية داخل حدود مشددة يفرضها الإعلان الدستوري لعام 2025 وطبيعة النظام الرئاسي المعمول به، بحسب الخبراء الذين قابلتهم عنب بلدي.

الدكتور في القانون العام وعضو لجنة صياغة الإعلان الدستوري أحمد قربي، قال لعنب بلدي، إنه عند الحديث عن الرقابة البرلمانية وحدودها، يجب أن نستحضر الإطار الدستوري، فنحن حاليًا في ظل نظام رئاسي فيه فصل جامد ما بين السلطات، وبالتالي هذا يعني أن السلطة التشريعية لا يمكن أن تتدخل في عمل السلطة التنفيذية، وأيضًا السلطة التنفيذية لا يمكن أن تتدخل في عمل السلطة التشريعية، فأول إطار هو الإطار القانوني والدستوري الذي يحدد أن هناك فصلًا بين السلطتين.

وقال الباحث القانوني والسياسي فراس حاج يحيى، إن المجلس يمتلك صلاحية التشريع، لكنه ملزم بمواءمة أي قانون مع المبادئ الحاكمة للمرحلة الانتقالية، مثل العدالة الانتقالية والفصل الصارم بين السلطات، ما يعني أن وظيفته التشريعية “مقيّدة” بإعادة بناء الدولة لا بإعادة إنتاج أنماط الحكم السابقة.

ويرى حاج يحيى أن الرقابة البرلمانية مشروطة أيضًا، إذ يجري تنفيذها ضمن إطار “الرقابة التشاركية” التي لا تستهدف الصدام مع السلطة التنفيذية نظرًا إلى طبيعة المرحلة التي تقوم على تثبيت الاستقرار وبناء مؤسسات، لا على تعطيلها.

ويمكن الاعتماد على أدوات رقابية “منخفضة الكلفة السياسية”، بحسب الدكتور في القانون العام أحمد قربي، مثل جلسات الاستماع، وتلقي الشكاوى، والبيانات، وتشكيل لجان التحقيق، دون الوصول إلى مستويات الحجب أو المساءلة السياسية.

في المقابل، أكد الباحث القانوني نورس العبد الله أن الدور الرقابي حق أصيل للمجلس حتى في ظل نظام رئاسي، لكن نطاقه يتحدد بغياب أدوات مثل حجب الثقة، مقابل إمكان استخدام التحقيق البرلماني والتشريع نفسه كوسيلة رقابية حتى وإن لم تُذكر نصًا في الإعلان الدستوري.

جميع الأدوات التي لا تترتب عليها مساءلة سياسية أو قانونية يمكن استخدامها كأدوات لممارسة السلطة التشريعية رقابتها على السلطة التنفيذية، أي أنني لا أتحدث عن حجب الثقة، ولا عن الاستجواب بمعناه السياسي، ولا عن الاتهام والمحاكمة، وإنما أتحدث عن أدوات سقفها الأعلى لجنة تحقيق برلمانية، وما دون ذلك من جلسات استماع، وأسئلة، وشكاوى، ومقترحات، وبيانات. فهذه كلها أدوات تستطيع السلطة التشريعية استخدامها في أثناء مراقبتها للسلطة التنفيذية.

أحمد قربي

دكتور في القانون العام وعضو لجنة صياغة الإعلان الدستوري

أدوار البرلمان بعد استكمال الأعضاء

يقف مجلس الشعب القادم أمام واحدة من “أكثر اللحظات حساسية” في التاريخ السياسي السوري، إذ يُطلب منه أداء يتجاوز مهامه الدستورية التقليدية ليصبح رافعة للانتقال السياسي وبناء الشرعية الجديدة، بعد عقود من تعطل الحياة البرلمانية وتحويل المؤسسة التشريعية إلى واجهة شكلية، بحسب الخبراء.

يرى الباحث القانوني والسياسي فراس حاج يحيى، أن المجلس مطالب قبل أي شيء بإنجاز “تشريعات المرحلة الانتقالية”، التي تمثل العمود الفقري لعملية التحول السياسي، وتشمل قوانين العدالة الانتقالية، والعزل السياسي، وإدارة الموارد الطبيعية، وتنظيم عمل الأحزاب والإعلام، وإصلاح قطاع الأمن المحلي. ويجب أن تُصاغ هذه القوانين، بحسب يحيى، بما ينسجم مع الإعلان الدستوري ومبادئ حقوق الإنسان، باعتبارها الأساس الذي يحدد شكل الدولة الجديدة وحدود السلطات فيها.

وعلى المستوى الرقابي، يتحدث حاج يحيى عن ضرورة أن يمارس المجلس رقابة مؤسساتية وشفافة على عمل الحكومة، وأن يتابع خططها في ملفات الإعمار، ومكافحة الفساد، والسياسات الاقتصادية، ويجب أن تكون رقابة “فعّالة وغير شكلية”، وتُرسّخ مبدأ عدم الإفلات من المساءلة، بما يعيد الاعتبار لدور البرلمان كسلطة قائمة بذاتها.

كما يُنتظر من المجلس أن يكون شريكًا في إطلاق النقاش الدستوري، وفق ما ينص عليه الإعلان الدستوري، عبر لجان متخصصة وحوارات مجتمعية واسعة، لإنهاء مرحلة الشرعية الثورية وفتح الباب أمام شرعية دستورية مستقرة، ويُضاف إلى ذلك دور تمثيلي يُفترض أن يعلو على لغة السلطة، ليعكس أصوات الفئات المهمشة والمتضررة، من ذوي الإعاقة وأهالي الضحايا والنازحين وسكان المناطق المتأثرة بالنزاع.

من جهته، يصف الباحث في مركز “الحوار السوري” نورس العبد الله، حجم المهام الملقاة على المجلس بأنها “هائلة”، ويرى أن هذه المؤسسة تعود اليوم لتكمّل “ثلاثية السلطة” بعد أن كانت غائبة لعقود، وسيكون الجهد التشريعي المحدد الأساسي للاستجابة للتغيرات الواقعية المتوقعة في سوريا، وأن العلاقات الخارجية والاتفاقيات الدولية ستخضع لموافقة المجلس، ما يضعه في موقع “هندسة علاقة الدولة بالعالم”.

ويرى العبد الله أن الخطوة الأولى للمجلس، أي الصورة الذهنية التي سيبنيها لدى المجتمع، ستكون حاسمة في تحديد نجاحه أو فشله في السنوات المقبلة.

ويعتبر الدكتور في القانون العام أحمد قربي، أن المهمة الأولى للمجلس هي “استعادة الثقة” وتغيير الصورة الذهنية المتوارثة عن المؤسسة التشريعية، التي ارتبطت طويلًا بـ”مجلس التصفيق” الخاضع للأجهزة الأمنية، ويشدد على ضرورة أن يمثل المجلس الإرادة الشعبية لا مصالح السلطة التنفيذية، وأن يبرهن منذ اللحظة الأولى أنه مؤسسة منتخَبة تعبّر عن المواطنين.

ويحتاج المجلس إلى نهج يقوم على “التكامل دون التبعية” مع السلطة التنفيذية، بحسب قربي، كتلك التي شهدتها دولة جنوب إفريقيا بعد سقوط نظام الفصل العنصري، حين مُنحت الحكومة صلاحية اقتراح القوانين لتسريع الاستجابة للأولويات الوطنية، مع بقاء البرلمان مستقلًا في الرقابة والتعديل. ويتطلب الوضع الاقتصادي والأمني والسياسي في سوريا اليوم مقاربة مشابهة، تقوم على التعاون في الملفات السيادية مثل التعامل مع إسرائيل، أو مواجهة النزعات الانفصالية، مع الحفاظ على استقلالية البرلمان في القضايا الخلافية، وفق قربي.

توصل الرئيس السوري، أحمد الشرع، مع قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، في 10 من آذار الماضي، إلى اتفاق ينص على دمج “قسد” في مؤسسات الدولة السورية.

وجرى الاتفاق على ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية.

وبحسب بنود الاتفاق، فالمجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة حقه في المواطنة وحقوقه الدستورية.

وتم الاتفاق على وقف إطلاق النار على جميع الأراضي السورية، ودمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية وحقول النفط والغاز.

واتفق الرئيس السوري مع مظلوم عبدي، على ضمان عودة جميع المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم وتأمين حمايتهم من الدولة السورية، بالإضافة إلى دعم الدولة السورية في مكافحتها لفلول النظام وكافة التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها.

إلا أن طرفي الاتفاق اختلفا على آلية تطبيق بنود الاتفاق، خصوصًا المرتبطة بدمج القوات العسكرية والأمنية الخاصة بـ”قسد” ضمن المؤسستين الأمنية والعسكرية السورية. وتبادل الطرفان اتهامات التأجيل والإبطاء في تنفيذ بنود الاتفاق، ففي حوار مع مجلة “المجلة”، في 20 من تشرين الثاني الماضي، قال وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، إنهم قدموا لـ”قسد” كل شيء في سبيل تيسير الاتفاق، وكذلك مظلوم عبدي قال في حوار مع وكالة “ميزوبوتاميا”، في 23 من تشرين الثاني الماضي، إن الأمور الإيجابية التي تتم مناقشتها في المفاوضات لا تطبق على أرض الواقع.

تباطؤ “مقصود”

يتواصل تباطؤ تنفيذ اتفاق 10 من آذار رغم مرور أشهر على توقيعه، وسلسلة اجتماعات شارك فيها وسطاء إقليميون ودوليون. فبينما أُنجزت تفاهمات أولية حول الشق العسكري، ومنها تحويل “قسد” إلى ثلاث فرق عسكرية وألوية تُربط رسميًا بالجيش السوري، إضافة إلى دمج الأجهزة الأمنية ضمن وزارة الداخلية، تبدو هذه الخطوات، كما يوضح الباحث في “المركز الكردي للدراسات” طارق حمو، الأقل إشكالية في مسار التفاوض.

فجوهر الخلاف، بحسب حديث حمو إلى عنب بلدي، يكمن في الملفات ذات الطابع السياسي والدستوري، وأبرزها الاعتراف الدستوري بالكرد في سوريا، وصياغة نموذج لامركزي واضح، ومعالجة أوضاع مناطق مثل عفرين ورأس العين التي شهدت تغييرات ديموغرافية واسعة، وتعوق هذه النقاط، بحسب حمو، التقدم الحقيقي، إذ ترتبط بطبيعة الدولة وبشكل مشاركة “قسد” المستقبلية في الحكم، وليس فقط بإعادة ترتيب البُنى العسكرية.

ويقارب الباحث أيمن الدسوقي أسباب التباطؤ من زاوية أخرى، معتبرًا أن الاتفاق نفسه لم يتجاوز مرحلة “الإطار العام”، مع اختلاف جوهري في تفسير غايته. ففي حين ترى “قسد” أن الاتفاق بوابتها للمشاركة السياسية في السلطة، تنظر إليه الحكومة كمسار لبسط سيادة الدولة على كامل الجغرافيا السورية. ويترافق ذلك مع حساسية عالية داخل قواعد الطرفين الاجتماعية تجاه أي تنازلات، ما يجعل كل خطوة تفاوضية خاضعة لحسابات داخلية دقيقة، بالإضافة إلى ما تلعبه المواقف الإقليمية في الدفع أو التعطيل، وفقًا للدسوقي.

في حين يربط الباحث في مركز “جسور للدراسات” أنس شواخ، التباطؤ بعاملين رئيسين: الأول، غياب الرغبة لدى “قسد” بتنفيذ البنود التي قد تُفكك شبكتها العسكرية والأمنية والمدنية التي بُنيت خلال أكثر من عقد، والثاني غياب القدرة على تنفيذ بنود أخرى بسبب عدم سيطرة القيادة المحلية على كل مراكز النفوذ، وذلك بسبب تأثير حزب “العمال الكردستاني” على مفاصل القرار داخل “قسد”.

وفي المقابل، يشير شواخ إلى أن الحكومة السورية اتخذت خطوات تنفيذية في بدايات الاتفاق، من تسهيل الحركة والأنشطة المدنية، إلا أن بعض مطالب “قسد” تكاد تكون تعجيزية، إذ تتعلق بتغيير اسم الدولة وشكل النظام السياسي، وهي ملفات دستورية لا تقع ضمن صلاحيات الحكومة في المرحلة الحالية، ما يجعلها أقرب إلى آلية لكسب الوقت أو إفشال الاتفاق من دون إعلان ذلك، وفق شواخ.

توقيع اتفاق بين الشرع ومظلوم عبدي لاندماج “قسد” ضمن مؤسسات الدولة السورية- 10 من آذار 2025 (رئاسة الجمهورية العربية السورية)

أمريكا تضغط على “طفلها المدلل”

يرى الباحث في مركز “جسور للدراسات” أنس شواخ، أن مجمل التطورات الأخيرة التي كان آخرها انضمام سوريا إلى “التحالف الدولي”، تعكس تصاعدًا واضحًا في مستوى الضغط الأمريكي على “قسد”، وهو ضغط مرشح للزيادة خلال الفترة المقبلة، سواء عبر مواقف علنية أو من خلال تواصل مباشر غير معلن بين واشنطن وقيادة “قسد”. ولا يستبعد شواخ اتخاذ واشنطن خطوات ميدانية تعزز هذا الضغط، مثل الانسحاب من بعض النقاط أو القواعد العسكرية الحساسة كالتي في الحسكة مثلًا.

ويضع شواخ هذه التطورات في سياق علاقة واشنطن بكل من أنقرة ودمشق، وأن الولايات المتحدة هي الضامن الأبرز لوقف إطلاق النار خلال العام الماضي بين الأطراف الثلاثة: تركيا، الحكومة السورية، “قسد”، ويبدو أن واشنطن تتجه نحو تكثيف الضغط على أي طرف يتباطأ في تنفيذ اتفاق 10 من آذار، مع ترجيح أن يكون الجزء الأكبر من هذا الضغط موجهًا نحو “قسد” نفسها، للأسباب البنيوية والسياسية التي سبق عرضها، تابع شواخ.

في المقابل، يرى الباحث في “المركز الكردي للدراسات” طارق حمو، أن انضمام الحكومة السورية إلى “التحالف الدولي” خطوة تحمل دلالات مهمة، لكنها لا تزال رهينة “اختبار جديّة” من قبل دول التحالف، فبرأي حمو، التحالف لن ينقل علاقاته نحو دمشق من دون التأكد أولًا من قدرتها على خوض معركة حقيقية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” والفصائل المصنفة على لوائح الإرهاب مثل “حراس الدين” و”أنصار السنة”.

ويرى حمو أن انضمام دمشق إلى التحالف قد يفتح باب تقارب أكبر بينها وبين “قسد” بحكم وجود الطرفين داخل الإطار الدولي نفسه، غير أن هذا الاحتمال مشروط بامتثال الحكومة لمعايير صارمة وبتقديم سلوك جاد في مكافحة الإرهاب، ما قد يسمح لها بالاستفادة من خبرة “قسد” الواسعة في هذا المجال.

ومع ذلك، يؤكد حمو أن من المبكر الحديث عن تحوّل الحكومة إلى شريك فعلي يمكن للتحالف الاعتماد عليه، أو عن فكرة استبعاد “قسد”، التي تمتلك رصيدًا كبيرًا من الخبرة والتعاون الميداني لا يمكن الاستغناء عنه بين ليلة وضحاها لمصلحة طرف لم يُثبت بعد قدرته أو نياته، ولا تزال تحيط به شكوك تتعلق بطبيعة بنيته الفصائلية.

“خارطة الطريق” في السويداء.. لا حل حتى الآن

بدأت أحداث السويداء في 12 من تموز الماضي، بعد عمليات خطف متبادلة بين سكان حي المقوس في السويداء، ذي الأغلبية البدوية، وعدد من أبناء الطائفة الدرزية، لتتطور بعدها إلى اشتباكات.

وتدخلت الحكومة السورية، في 14 من تموز الماضي، لفض النزاع، إلا أن تدخلها ترافق مع انتهاكات بحق مدنيين من الطائفة الدرزية، ما دفع فصائل محلية للرد، بما فيها التي كانت تتعاون مع وزارتي الدفاع والداخلية.

وفي 16 من تموز، خرجت القوات الحكومية من السويداء، بعد تعرضها لضربات إسرائيلية عنيفة، أعقب ذلك انتهاكات وأعمال انتقامية بحق سكان البدو في المحافظة، قامت بها الفصائل الدرزية، الأمر الذي أدى إلى توجه أرتال على شكل “فزعات عشائرية” نصرة لهم، الأمر الذي تطور لاحقًا إلى انتهاكات بحق المدنيين من أبناء محافظة السويداء من الطائفة الدرزية ومن البدو، ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل ما لا يقل عن 1013 شخصًا في المحافظة، خلال تموز الماضي، كما أسفرت أعمال العنف عن إصابة ما لا يقل عن 986 شخصًا بجروح متفاوتة الخطورة من مختلف الأطراف.

وبعد ذلك، في 16 من أيلول الماضي، أعلنت وزارة الخارجية والمغتربين في سوريا عن التوصل إلى خارطة طريق لحل الأزمة في محافظة السويداء، عقب لقاء ثلاثي في دمشق جمع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ونظيره الأردني أيمن الصفدي، والمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توم براك.

وجاء الاجتماع استكمالًا لمباحثات سابقة استضافتها العاصمة الأردنية عمان بهدف تثبيت وقف إطلاق النار في السويداء، والتوصل إلى حلول تعالج التوترات التي شهدتها المحافظة في الأشهر الماضية.

وبحسب البيان الصادر عن وزارة الخارجية والمغتربين السورية، والمنشور عبر صفحتها في “فيسبوك”، فقد اعتمد المجتمعون خارطة طريق تؤكد أن السويداء جزء لا يتجزأ من سوريا، وأن أبناءها مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، مشيرين إلى أن إنهاء فجوة الثقة بين الحكومة والسكان يتطلب خطوات متدرجة لإعادة بناء الثقة وإعادة دمج المحافظة بالكامل في مؤسسات الدولة.

عنصر من قوات الأمن السورية قرب مدخل مدينة السويداء – 15 تموز 2025 (AFP)

الاتفاق مع إسرائيل بداية الحل في السويداء

تحاول إسرائيل الضغط لاستمرار اللعب بورقة السويداء، فبحسب ما نقلته وكالة “رويترز”، في 26 من أيلول الماضي، واجهت جهود التوصل إلى اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل “عقبة” في اللحظة الأخيرة بسبب مطلب الأخيرة السماح لها بفتح “ممر إنساني” إلى محافظة السويداء جنوبي سوريا.

ونقلت الوكالة عن أربعة مصادر مطلعة على المحادثات، أن الاتفاق تعثر بسبب الطلب الإسرائيلي المتجدد بممر إنساني من إسرائيل إلى السويداء.

ويجدد وزراء إسرائيليون تصريحاتهم حول حماية الدروز في السويداء، وأنهم مستعدون دومًا للتدخل من أجلهم في سوريا.

يرى المحلل السياسي محمد حمادة، أن الولايات المتحدة، وخصوصًا إدارة الرئيس دونالد ترامب، ستتدخل كما فعلت سابقًا لفرض اتفاق بين سوريا وإسرائيل “بأي ثمن”، انطلاقًا من قناعة أمريكية بأن هذا الملف يجب أن ينجز في المرحلة المقبلة، في ظل ما يصفه بـ”الضرورة الإقليمية والدولية لاستقرار المنطقة”.

ويذهب حمادة إلى أن انعكاسات الاتفاق المحتمل ستظهر بوضوح في محافظة السويداء، إذ يعتبر أن ما يجري هناك يستند إلى “غطاء إسرائيلي”، وأن سقوط هذا الغطاء سيُفضي إلى طيّ الملف كما طُويت ملفات كثيرة سابقة بمجرد تغيّر الاصطفافات الدولية.

حمادة قال، في حديثه إلى عنب بلدي، إن ما يُعرف بـ”الحرس الوطني” في السويداء “يعتاش على استمرار الخلاف السوري- الإسرائيلي”، وهو يفتقر إلى رؤية داخلية أو فهم لمعادلات الإقليم، والمرحلة المقبلة ستشهد إعادة تشكيل للمنظومة الأمنية في السويداء عبر قوى محلية من أبناء المحافظة، إلى جانب شخصيات مثل سليمان عبد الباقي والشيخ ليث البلعوس، مع مشاركة العائلات والمرجعيات الوطنية التي تعتبر دمشق بوصلتها الأساسية، في إدارة الأمن وإنهاء نفوذ شبكات الخطف والتهريب وتجار المخدرات التي استفادت من حالة الفوضى خلال السنوات الماضية.

قوى محلية “تعتاش” على الفوضى

الباحث في “المركز العربي لدراسات سوريا المعاصرة” نوار شعبان، قال لعنب بلدي، إن القوى المحلية التي سلبت قرار محافظة السويداء تعمل وفق استراتيجية تقوم على “إبقاء الوضع كما هو”، دون دفعه نحو الانهيار الكامل أو السماح بنجاح مسار يجردها من السلطة التي راكمتها خلال الفترة الماضية.

ويرى شعبان أن هناك قبولًا دوليًا بـ”الخارطة” التي صيغت في عمّان، وأن المشكلة لا تكمن في رفض أهالي السويداء لـ”خارطة الطريق” أو للحل المطروح بحد ذاته، بل في وجود “قوى ميليشياوية” تفرض سيطرتها على المحافظة وتمنع أي تحول فعلي نحو الاستقرار، فكثير من الشخصيات الوطنية داخل السويداء تُبدي رغبة صادقة في الانتقال نحو وضع أفضل، لكنها تصطدم بواقع تتحكم به مجموعات مسلحة تعوق حركة الناس وتفرض قيودًا حتى على التنقل إلى دمشق من دون “مبرر مقنع”.

وتستفيد هذه المجموعات، وفق شعبان، من بقاء الحالة المضطربة لأنها تضمن استمرار نفوذها القائم على شبكات تجارة السلاح والمخدرات، وحماية كوادر ترتبط بأجهزة أمنية سابقة أو بجهات خارجية.

مرتبط



إقرأ المزيد