عام على التحرير.. دير الزور تعيش التحول وتنتظر حلولًا عالقة
عنب بلدي -

بعد مرور عام على تحرير الجزء الغربي من محافظة دير الزور، تطل المدينة بوجه جديد يمزج بين ندوب الحرب وبوادر الانتعاش الحذر، حيث تحاول المدينة نفض غبار سنوات الدمار الذي شهدته، لتعيد بناء نسيجها اليومي والاجتماعي.

اليوم، وعلى الرغم من التحسن الملموس في الخدمات الأساسية، من زيادة ساعات تغذية الكهرباء إلى تعزيز الأمن في الشوارع، لا تزال دير الزور تقف على مفترق طرق.

تحولات الذاكرة والخوف

مروان الكاطع، طالب في كلية البتروكيميا، يروي لعنب بلدي ذكرياته الأولى التي كانت تختزل سوريا في ما أسماه “بلد الحواجز والخوف وانعدام الأمل”.

بالنسبة لمروان، كانت فترة ما قبل التغيير تتسم بتوتر دائم، وشوارع فارغة قبل الغروب، وبأخبار المداهمات والخوف المعتاد.

اليوم، يلمس مروان تغييرًا مهمًا في الحياة اليومية، ويصف الحركة في المدينة بأنها أهدأ، وأن الحديث بين الناس تحول من أخبار الخوف إلى مواضيع العمل والدراسة والمستقبل.

هذا التغير الملموس في المناخ العام لا يعني زوال الخوف، بل تحوّله، وفق الكاطع، إذ أضاف أنه لم يعد ذلك الخوف القديم، لكن هناك خوف من القادم، مرتبط بالغموض والسرعة التي تتغير بها الأوضاع، وهو ما يضع تحديًا وجوديًا أمامه وإيجاد وجهة واضحة وسط التغييرات السريعة.

ورغم هذا التحدي، يرى مروان فرصًا أفضل للتدريب والدراسة، فأمله الأكبر لا يكمن في مجرد الهرب، بل في متابعة الدراسة خارج البلاد والعودة لخدمة منطقته.

تحسن الخدمات وعودة الحياة

​من جانبها، تروي رؤى الخرابة، وهي معلمة مدرسة في ثانوية “النجاح” الخاصة، تفاصيل التحول الذي شهدته المنطقة، مؤكدة أن هناك تحسنًا ملموسًا في جودة الحياة والخدمات الأساسية.

​وتُعدّ أزمة الكهرباء أبرز مثال على هذا التحول، بحسب ماقالته رؤى لعنب بلدي، إذ إنهم كانوا في السابق لا يرون  الكهرباء سوى لساعة أو ساعتين في اليوم الواحد، بينما اليوم باتت ساعات التغذية تتجاوز الـ 10 ساعات، معربةً عن أملها بأن يستمر هذا التحسن ليغطي احتياجات المحافظة بشكل كامل.

​كما تشير رؤى إلى أن التحسن لم يقتصر على البنية التحتية فحسب، بل شمل الجانب الأمني والاجتماعي.

وصار شوارع دير الزور أكثر أمانًا، بحسب رؤى، وبات بإمكان المواطن السير في أي حي دون خوف من التعرض للاعتراض أو التحرش أو الاعتقال، وهو ما يعزز الشعور بالحرية والاستقرار بعد سنوات من الاضطراب.

​وترى رؤى أن هذا الانتعاش لا يزال بحاجة إلى تضافر جهود أبناء دير الزور أنفسهم، مؤكدة أنهم القوة الدافعة التي ستنهض بالمنطقة وتُعيد إليها الحياة بشكل تدريجي.

عودة المهجرين

لعبت عودة المهجرين دورًا كبيرًا في هذا الإحياء، حيث أسهمت في تنشيط حركة الأسواق والأحياء، وبث روح جديدة في المدينة.

​وليد الرجب، وهو صاحب متجر سابق عاد مؤخرًا إلى حي الجورة، أشار إلى أن التحدي الأكبر اليوم ليس في توفر الكهرباء أو الأمن، بل في القوة الشرائية للمواطنين.

وقال وليد لعنب بلدي، “نرى الكهرباء في الشارع، لكننا لا نرى المال في جيوب الناس، في حين أن الأسواق نشطة بفضل العائدين”.

وأضاف أن معظم السكان يعتمدون على مدخراتهم القليلة أو التحويلات الخارجية، بينما لا تزال فرص العمل الحقيقية والمستدامة قليلة جدًا.

إعادة الإعمار الشاملة تتطلب استثمارات كبيرة، بحسب وليد، وليس فقط في ترميم شبكات الخدمات، ولكن في القطاعات الإنتاجية والمشاريع الزراعية والصناعية الصغيرة والمتوسطة.

ويرى أن التحسن في الخدمات هو خطوة أولى لكن النهوض الحقيقي لا يتم إلا بتوفير وظائف للمواطن والاستغناء عن المساعدات والاعتماد على الذات.

المنطقة بحاجة إلى التركيز بشكل أكبر على تسهيل الإجراءات أمام المستثمرين وتشجيع أصحاب رؤوس الأموال من أبناء المحافظة المهاجرين على العودة والمساهمة في إنشاء مشاريع تخلق فرص عمل، لتتحول دير الزور من مدينة آمنة ومضيئة إلى مدينة منتجة ومستقرة اقتصاديًا.

تحديات

على جانب آخر، فإن استمرار وجود الألغام وقضايا المفقودين إضافة المقابر الموجودة في الحدائق والمنازل المدمرة حيث بلغت نسبة دمار دير الزور حوالي 80% بحسب تقارير نشرتها منظمات دولية تشكل تحديًا كبيرًا لأهالي دير الزور بحسب سكان التقتهم عنب بلدي.

وبلغ عدد الألغام التي خلفها نظام الأسد في دير الزور، نحو 300  ألف لغم بحسب إحصائية حصلت عليها عنب بلدي من مصدر في وزارة الدفاع.

وتعتبر هذه الألغام، التحدي الأكبر على القطاع الزراعي بحسب المصدر، فهي تعيق المزارعين من استثمار أراضيهم.

كما تشكل قضية المفقودين معضلة كبيرة بحسب ما أفاد الناشط عمر خطاب لعنب بلدي، فهناك أعداد كبيرة لم يتم الكشف عن مصيرها، منهم فقدوا بمعتقلات النظام السابق، ومنهم لدى تنظيم “الدولة الإسلامية” أو “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) فقدوا خلال الأيام الثلاث الأولى للسيطرة على الجزء الغربي من المدينة.

ولفت إلى مشكلة نقل جثث من الحدائق العامة في دير الزور بعد أن تحولت الحدائق لمقابر في أثناء سيطرة “الجيش السوري الحر” على أحياء المدينة.

كما أن نسبة المنازل المدمرة وعدم قدرة الأهالي على إعادة تأهيلها تمثل تحديًا كبيرًا في المنطقة، بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية وضعف الرواتب وحجم الدمار الكبير.

وأشار الناشط إلى وجود تحديات أخرى لم يتم العمل عليها من قبل وزارة الصحة حتى الآن، منها عدم وجود جهاز رنين مغناطيسي بمحافظة كاملة يبلغ عدد سكانها أكثر من 1.5 مليون شخص تقريبًا، إضافة إلى اختصاصات مثل القلبية، حيث يضطر المرضى لقطع مسافات طويلة ما يجعلهم يتحملون مصاريف إضافية قد تكون خارج قدرتهم المادية.

من جانبه، قال عمر النايف، من أبناء مدينة الميادين بريف دير الزور، إن نسبة البطالة تفاقمت بشكل أكبر، ما أدى إلى زيادة عدد الأشخاص الذين يعملون بجمع الخردوات لتأمين قوت يومهم، إضافة لتسرب أعداد كبيرة من المدارس، مشيرًا إلى أن دافع ذلك هو “ارتفاع تكاليف المعيشة اليومية إلى مستويات قياسية”.

وأضاف أن العائلات تبيع ما تجمعه من خلال الخردوات لأشخاص يقومون بتجميعها وبيعها للمعامل التي تقوم بدورها بتدوير تلك النفايات.

بهذا المشهد المركّب، تبدو دير الزور بعد سنة على سقوط الأسد عالقة بين إرث الحرب وتطلعات مرحلة جديدة لا تزال معالمها غير واضحة، مع تحديات أمنية وإدارية وخدمية تكشف عمق الفجوة بين انهيار النظام السابق وبناء واقع مستقر قابل للحياة.

مرتبط



إقرأ المزيد