إيلاف - 7/3/2025 3:20:30 PM - GMT (+2 )

إيلاف من لندن: بينما تتجه أنظار العالم إلى غزة، برز الحوثيون من قلب اليمن كلاعب إقليمي فجائي أثار اهتمام المراقبين، ليس فقط بسبب تصعيدهم العسكري، بل نتيجة للتداعيات الاقتصادية والإنسانية الواسعة التي خلّفوها في اليمن والمنطقة. فما الذي تغيّر؟ وكيف أصبح اليمن بؤرة جديدة للأزمات بفعل هذه التحولات؟
من صنعاء إلى البحر الأحمر… واستهداف إسرائيل
مع اندلاع الحرب في غزة، أعلن الحوثيون دعمهم للفصائل الفلسطينية المسلحة، وتجاوزوا التصريحات إلى عمليات عسكرية. فقد بدأوا باستهداف السفن التجارية في البحر الأحمر، وهو ما وثّقه تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، مشيرًا إلى أن الهجمات تسببت في "تعطل خطير لحركة الملاحة في البحر الأحمر، أحد أهم شرايين التجارة العالمية".
وسّعت الجماعة عملياتها لتشمل الأراضي الإسرائيلية، وهو ما وصفته وكالة "رويترز" بأنه "نقلة نوعية في دور الحوثيين الإقليمي، وتهديد مباشر للأمن الدولي".
ردًا على هذه التحركات، نفّذت إسرائيل غارات جوية استهدفت مواقع في اليمن، من بينها مطار صنعاء وميناء الحديدة. ورغم أن هذه الضربات زادت من عزلة اليمن اقتصاديًا، إلا أنها لم توقف تصعيد الحوثيين.
أزمة اقتصادية وإنسانية خانقة
بحسب تقرير صادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي اليمني (2024)، أدى تقييد الملاحة إلى تراجع واردات الوقود بنسبة 30% عبر ميناء الحديدة، ما انعكس على أسعار النقل والكهرباء، وتسبب في أزمة وقود حادة في مناطق سيطرة الجماعة.
وأكد برنامج الأغذية العالمي (WFP) أن 80% من واردات اليمن تمر عبر ميناء الحديدة. ومع تعطل حركة السفن، ارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل حاد، وأصبح الحصول على الغذاء والدواء تحديًا يوميًا لملايين اليمنيين.
وثّقت منظمة الأغذية والزراعة (FAO) ارتفاع أسعار الدقيق والسكر والزيت بنسب تراوحت بين 25% و50%، مما فاقم أزمة الغلاء ودفع العديد من الأسر إلى حافة الجوع.
كما أشارت كل من الغرفة التجارية الدولية (ICC) ومجموعة الأزمات الدولية (ICG) إلى أن تكلفة الشحن عبر البحر الأحمر ارتفعت بنسبة 60%، ما أدى إلى اضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية. وذكرت صحيفة "فاينانشال تايمز" نقلًا عن مصادر أوروبية، أن دولًا مثل فرنسا وإيطاليا وهولندا قلصت تجارتها البحرية مع اليمن بشكل كبير، بسبب ارتفاع التكاليف والمخاطر الأمنية.
أوضح مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أن أكثر من 17 مليون يمني يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة، بينما تجاوز معدل الفقر 80% في مناطق سيطرة الحوثيين، وفقًا لتقرير البنك الدولي (2024).
نموذج "حزب الله" في بيئة مغايرة؟
يحاول الحوثيون تقديم أنفسهم كقوة إقليمية تتحدى إسرائيل والغرب، على غرار "حزب الله" اللبناني، لكن في سياق مختلف تمامًا. ففي حين يستند "حزب الله" إلى بنية دولة مستقرة نسبيًا، يتحرك الحوثيون في بيئة تعاني من هشاشة اقتصادية وإنسانية شديدة. كل تصعيد عسكري منهم ينعكس مباشرة على الوضع الداخلي في اليمن، ويهدد بانهيار اقتصادي واجتماعي واسع.
وفي هذا السياق، يرى الخبير اليمني الدكتور مصطفى نصر أن "ما يحدث اليوم في البحر الأحمر هو انعكاس مباشر لتحول الحوثيين إلى لاعب إقليمي، لكن الثمن يدفعه المواطن اليمني البسيط". وأضاف: "ارتفاع أسعار الوقود والسلع الأساسية، وتراجع الواردات، كلها نتائج مباشرة لهذا التصعيد. إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فنحن أمام كارثة اقتصادية وإنسانية غير مسبوقة في تاريخ اليمن الحديث".
وحذرت مجموعة الأزمات الدولية (ICG) من أن استمرار التصعيد قد يدفع المنطقة إلى "دوامة من الفوضى"، ويحوّل البحر الأحمر إلى منطقة نزاع مزمن، بما يحمله ذلك من مخاطر على التجارة العالمية وأمن الطاقة.
إقرأ المزيد