الذكرى الـ50 للمسيرة الخضراء: هل اقترب النزاع الأطول في إفريقيا من نهايته؟
إيلاف -

على مدى 49 عاماً احتفل المغاربة بالمسيرة الخضراء والتي أطلقها الملك المغربي الراحل حسن الثاني في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1975. حينها خرجت مسيرات بشرية باتجاه الأقاليم الجنوبية لاسترجاعها من الاستعمار الإسباني.

لكن الذكرى الخمسين هذا العام ليست كسابقاتها. يأتي هذا الاحتفال بالمسيرة الخضراء في سياق مختلف. فقبل أيام صدر قرار الأمم المتحدة باعتماد خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية وسط رفض لجبهة البوليساريو -التي تأسست عام 1973 -والتي تطالب بحق تقرير المصير.

شكل إنطلاق المسيرة الخضراء نقطة تحوّل في تاريخ المغرب والصحراء الغربية، وما زالت تداعياته السياسية والدبلوماسية قائمة حتى اليوم.

الملك محمد السادس يزور الصحراء الغربية بمناسبة الذكرى الأربعين "للمسيرة الخضراء"

تعرف على قضية الصحراء الغربية التي أثارت "أزمة" بين السعودية والمغرب

الصحراء الغربية: حقائق عن أحد أطول النزاعات في القارة الأفريقية

السياق التاريخي

في 6 نوفمبر /تشرين الثاني عام 1975 خرج 350 ألف متطوع في مسيرة دعا إليها الملك حسن الثاني ليبين للأمم المتحدة أن هنالك "إجماع على وحدة التراب الوطني" ولترسيخ "الشرعية التاريخية والقانونية للمغرب على صحرائه" حسب وصف السلطات في ذلك الوقت.

وحسب الأمم المتحدة هذه الأقاليم التي كانت مستعمرة إسبانية حتى العام 1975 من بين الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي في ظل غياب تسوية نهائية سابقا ترى فيها جبهة البوليساريو أن فيها تجاهلا لإرادة سكان الإقليم خاصة بعد توقيع اتفاق مدريد في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1975 والذي نصّ على انسحاب إسبانيا وتقاسم إدارة الإقليم بين المغرب وموريتانيا.

وظل هذا الإقليم الوحيد في القارة الافريقية معلقا في وضعه بعد انتهاء فترة الاستعمار ليفتح بابا لسنوات من النزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من طرف الجزائر.

في عام 1984، اعترفت منظمة الوحدة الإفريقية بـ"الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، مما أدى إلى انسحاب المغرب من المنظمة احتجاجا على هذا الاعتراف إلى حين عودته عام 2017.

واستمر النزاع المسلح بين جبهة البوليساريو والقوات المغربية حتى إعلان وقف إطلاق النار عام 1991 برعاية الأمم المتحدة دون حلّ سياسي نهائي، ووضعت الأساس لما سيتبعها من مفاوضات تعثرت على مدى عقود لاحقة.

عرضت الرباط مبادرة للحكم الذاتي للصحراء الغربية عام 2007 لمجلس الأمن الدولي بغرض التوصل إلى "حل سياسي نهائي." رأت جبهة البوليساريو أن خيار الاستفتاء على تقرير المصير هو الحل الوحيد ورفضت هذه المبادرة التي اعتبرتها غير ضامنة لخيار الاستقلال والتفافا على حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.

وتتمثل فكرة المبادرة في منح سكان الصحراء الغربية صلاحيات في تسيير شؤونهم محليا مع بقاء السيادة بكل تفاصيلها من خلال العلم والعملة والجيش والسياسة الخارجية بيد المغرب.

لكن بعد 18 عاما تم إحياء هذه المبادرة إذ تبنى مجلس الأمن مشروع القرار الأمريكي، الذي يؤيد خطة الرباط المقدّمة عام 2007، والتي تنص على منح الإقليم حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية.

وقال ملك المغرب محمد السادس في خطاب عقب إعلان الأمم المتحدة:" بعد خمسين سنة من التضحيات، ها نحن نبدأ، بعون الله وتوفيقه، فتحا جديدا، في مسار ترسيخ مغربية الصحراء، والطي النهائي لهذا النزاع المفتعل، في إطار حل توافقي، على أساس مبادرة الحكم الذاتي.

كما دعا الملك في خطابه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لفتح باب الحوار وتجاوز الخلافات وبناء علاقات جديدة تقوم على الثقة.

وكان مجلس الأمن يدعو حتى الآن المغرب والبوليساريو والجزائر وموريتانيا إلى استئناف المفاوضات المتوقفة منذ 2019 للتوصل إلى "حل سياسي واقعي ودائم ومقبول من الطرفين.

التحولات السياسية
خريطة لبي بي سي تصور مناطق النزاع بين الحكومة المغربية وجبهة البوليساريو
BBC

يعود هذا الملف ليحتل مكانه في أولويات الهيئات الأممية مع تطورات غير مسبوقة في الموقف الدولي.

وسعت الدبلوماسية المغربية في تحويل مقترح الحكم الذاتي أرضية صلبة للتفاوض، حيث سبق ودعمت عدة دول موقف المغرب. فخلال الفترة ما بين 2020 و2025 تميزت بتوالي الاعترافات بمغربية الصحراء منها الولايات المتحدة الامريكية من خلال اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمغربية الصحراء خلال توليه الرئاسة في حقبته الأولى كما ساندت القرار لاحقا كل من اسبانيا وفرنسا وبريطانيا.

أبدت الولايات المتحدة وفرنسا وغيرهما من القوى الغربية دعما للمبادرة المغربية باعتبارها "حلا واقعيا" بينما بقي الاتحاد الإفريقي منقسما بين الدول المؤيدة للمغرب وتلك التي تعترف بالبوليساريو كالجزائر وجنوب افريقيا وناميبيا.

عام 2021 عينت الأمم المتحدة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا لمتابعة الملف وعادت المشاورات بين الأطراف كما ركزت اجتماعات مجلس الأمن في السنوات القليلة الماضية على ضرورة التوصل إلى "حل سياسي واقعي ودائم" وقائم على التوافق مع التشديد على "عدم فرض أي حل أحادي الجانب".

مستقبل المنطقة

أقرت الأمم المتحدة بأن مفاوضات قريبة ستُجرى بين الطرفين خلال الفترة المقبلة فيما أكدت جبهة البوليساريو في تصريحات إعلامية عدم خوضها هذه المفاوضات لأنها تقصي حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.

وفي أول تصريح له بعد تصويت مجلس الأمن لصالح مشروع القرار الأمريكي الذي يدعم مقاربة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء الغربية وتمديد بعثة المينورسو المعروفة ببعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية لسنة جديدة أكد دي ميستورا أنه "لا يوجد حل مسبق للمفاوضات بين جبهة البوليساريو والمغرب"، وبأن الامانة العامة للأمم المتحدة أخذت علما بمقترحات المغرب وجبهة البوليساريو مطالبا المغرب بتقديم توضيحات أكثر وتفاصيل حول مقترحه.

وأضاف أنه سيطلب من جميع الأطراف "تقديم مقترحات لتمكين الأمم المتحدة من وضع برنامج مناقشات مباشرة أو غير مباشرة في حال دعت الحاجة"

كما شدد في معرض حديثه على أن هذا القرار "مهم لأنه يُظهر عزما دوليا جديدا وإصرارا على حل هذا النزاع المستمر منذ 50 عاما"، مرحبا في هذا الصدد بتمديد ولاية المينورسو حتى أكتوبر 2026.

كما أكد كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون الأفريقية والعربية مسعد بولوس أن طرفي النزاع هما جبهة البوليساريو والمغرب، مشيرا إلى أن المقترح المغربي ليس هو الحل الوحيد لقضية الصحراء الغربية، بل الباب مفتوح أمام مقترحات أخرى مؤكدا أن الحل يجب أن يكون مرضي ومقبول لطرفي النزاع.

بعد مرور نصف قرن على المسيرة الخضراء، عرفت المنطقة تحولات كبيرة على مدى العقود الماضية بين النزاع المسلح وصولا إلى وقف إطلاق النار والمفاوضات التي لم تكتمل لتواصل طريقها نحو جلب الاعترافات الدولية تباعا ليأتي القرار الأممي المتبني للمقاربة المغربية في ظل رفض تام لها من قبل جبهة البوليساريو التي لا ترى حلا إلا بحق تقرير المصير.

لكن باب المفاوضات مفتوح على مصراعيه في انتظار مقترحات كلا الطرفين للحل وما ستؤول إليه النقاشات التي ستقودها الأمم المتحدة خلال الفترة المقبلة.



إقرأ المزيد