لماذا اجتمعت حكومة المالديف في قاع البحر قبل 16 عاماً؟
إيلاف -

ساهمت هذه الصورة في تشكيل تصور العالم للتهديد الوجودي الذي يشكله تغير المناخ على الدول الجزرية المنخفضة.

كانت هذه خطةً أثارت قلق شونا أمينات وفريقها بشدة. أمينات، السياسية المالديفية السابقة، هي المنسقة لاجتماع حكومة جزر المالديف تحت الماء في أكتوبر/ تشرين الأول 2009.

وكان من المقرر أن وضع ما يكفي من الطاولات والكراسي لأحد عشر من كبار المسؤولين الحكوميين في قاع البحر لحضور اجتماع وزاري، سيتم تصويره وتسجيله وبثّه عبر العالم. لكن لم يكن معظم الوزراء يجيدون الغوص، وكان بعضهم يُعاني من مشاكل صحية، ولم يكن أيٌّ منهم في ريعان شبابه.

وإن لم يكن ذلك مُرهقاً بما فيه الكفاية، فقد أصدرت الحكومة بياناً صحفياً تُعلن فيه عن هذا الاجتماع، وعلى الفور، بدأ الهاتف يرن.

أرادت العديد من الصحف والقنوات التلفزيونية العالمية الكبرى تغطية الحدث. وتعلق أمينات، التي كانت تشغل آنذاك منصب نائب وكيل وزارة شؤون السياسات في مكتب رئيس جزر المالديف: "أعتقد أنه في تلك اللحظة بدأنا نشعر بأن هذا سيكون أكبر بكثير مما توقعنا".

وقد كان توتر الفريق مفهوماً، فكانوا على وشك القيام بخدعة ستُصبح مشهورة، وستدفع جزر المالديف ودول جزرية صغيرة أخرى إلى صدارة النقاش العالمي حول تغير المناخ.

وستتجاوز تداعيات الصور الملتقطة بكثير ما تأمله أمينات، التي ينسب البعض إليها الفضل في المساعدة على صياغة الهدف العالمي الطموح بشأن المناخ.

لكن الصورة وإرثها لا يخلو من الجدل.

لماذا أرادت جزر المالديف اتخاذ إجراءات أسرع؟

عندما تحدثت أمينات معي، بعد 16 عاماً من جلسة التصويرتحت سطح الماء، كان المحيط الهندي ظاهراً من نافذة مكتبها، بلونه النيلي وأمواجه البيضاء تتلاطم على جدار الميناء. وكان الخوف مما سيفعله ارتفاع منسوب مياه البحار، نتيجة تغير المناخ، ببلدها هو العامل المحفز وراء هذه الصورة.

ومع ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي، تمتص المحيطات الحرارة وتتمدد المياه؛ كما تذوب الأنهار الجليدية، إضافة إلى القمم الجليدية. ويتسبب كلاهما في ارتفاع منسوب مياه البحار، وهي مشكلة عالمية كبرى، خاصة في جزر المالديف؛ كونها الدولة الأكثر انخفاضاً عن سطح البحر في العالم.

وتتوقع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ والتابعة للأمم المتحدة، أن يرتفع منسوب المياه العالمي بمعدل نصف متر تقريباً بحلول نهاية القرن، وهو ما يُمثل تهديداً وجودياً لبلد يرتفع في معظمه متراً واحداً فقط فوق مستوى سطح البحر.

وتقول أمينات: "يعتقد معظم الناس أن جزر المالديف وجهة رائعة لقضاء شهر عسل. لكنني أعتقد أن غالبية العالم لا يدركون مخاطر تغير المناخ ومدى ضعفنا".

وتضيف: "لدينا عائلات هنا، ونعيش حياتنا بأكملها هنا. وإذا كانت جزرنا ستغمرها الفيضانات بانتظام، وإذا تأثرت مخزوناتنا السمكية، وإذا تأثر قطاع السياحة لدينا، فهذا يعني أن الحياة في جزر المالديف ستصبح معقدة للغاية لدرجة أننا قد لا نتمكن من الحفاظ على مستوى المعيشة الذي نعيشه حتى الآن".

وفي عام 2009، كان الحد من ارتفاع درجة الحرارة بمقدار درجتين مئويتين منذ ما قبل الثورة الصناعية هو الهدف المناخي المتفق عليه دولياً.

لكن خفض هذا المعدل ولو بنصف درجة مئوية إلى درجة ونصف مئوية، فهذا يعني انخفاض ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 10 سنتمترات بحلول عام 2100، بالإضافة إلى انخفاض عدد الأشخاص المعرضين للفيضانات بمقدار 10 ملايين شخص.

صورة جوية لمياه جزر المالديف
Getty Images
ارتفاع مستوى سطح البحر يعرض أجزاء كبيرة من جزر المالديف لخطر الفيضانات

بدأت صرخة استنفار الجزر المنخفضة حول العالم، بما فيها جزر المالديف، تكتسب زخماً: "1.5 درجة مئوية للبقاء على قيد الحياة". لكن بالنسبة للكثيرين، يُعدّ هذا الرقم مجرداً لا يحمل أي معنى حقيقي. وقد هدفت جلسة التصوير إلى توضيح ما قد يعنيه عالم أكثر دفئاً لجزر المالديف.

لكن أولاً، كان لا بد من تعليم مستشاري الحكومة كيفية الغوص.

صناعة صورة فوتوغرافية شهيرة

وكان من الصعب للغاية إلزام الوزراء بالتدريبات، فمنهم من كانوا مسافرين في مهمة عمل أو مرضى أحياناً، كما أخبرتني أمينات. وفي النهاية، وبعد شهرين تقريباً، أصبح جميع الوزراء مُجهزين بمهارات الغوص، والأهم من ذلك، مُتمتعين بخبرة كافية لتجنب إثارة الرمال في قاع البحر، مما قد يحجب الرؤية ويدمر الصورة.

ونتيجة لذلك، تقرر منع الصحفيين من نزول الماء أيضاً، لضمان وضوح الصورة. وجاء اليوم المنتظر؛ 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2009. وكانت أمينات وحشد من الصحفيين يراقبون بقلق وينتظرون ما سيحدث.

وتقول أمينات: "أتذكر أن أحد كبار الصحفيين من قناة تلفزيونية كبيرة قفز في الماء دون أن يخبرنا. واستاء بقية الصحفيين ظناً منهم أننا سمحنا له بالقفز في الماء". وتضيف أنهم اضطروا لسحبه، و"بالطبع، كان الوضع فوضوياً للغاية، ومشحوناً بالتوتر".

وفي هذه الأثناء، وتحت الأمواج، جلس الوزراء على مقاعدهم تحت الماء أمام لوحات تحمل أسماءهم، مسلحين بأقلام خاصة تحت الماء.

وكان المرجان هو محور الاهتمام، بينما انطلقت أسماك مخططة بالأبيض والأسود بين الفقاعات التي نفخها الغواصون.

وتواصل الوزراء بإشارات بالأيدي وملاحظات مكتوبة على ألواح بيضاء، واختتموا الجلسة بتوقيع وثيقة تدعو جميع الدول إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

وقال محمد نشيد، رئيس جزر المالديف آنذاك، بعد عودته إلى السطح: "ما نحاول إيصاله للناس هو أن جزر المالديف دولة في خط المواجهة. هذه ليست قضية جزر المالديف فحسب، بل قضية العالم أجمع. إذا لم نتمكن من إنقاذ جزر المالديف اليوم، فلن نتمكن من إنقاذ بقية العالم غدًا".

الإرث المعقد للصورة

وانتشرت صور الجلسة في الصحف العالمية، وتداولت اللقطات المصورة على منصات تلفزيونية رئيسية، بما في ذلك بي بي سي.

وقد ألهمت قادة آخرين للقيام بحيل مماثلة لتسليط الضوء على أزمة المناخ؛ مثل رئيس وزراء نيبال الذي عقد اجتماعاً لمجلس الوزراء على جبل إيفرست في وقت لاحق من ذلك العام، أو وزير خارجية توفالو وهو يقف في البحر حتى ركبتيه أثناء إلقائه خطاباً في عام 2021.

وزير خارجية توفالو سيمون كوفي وهو يقف في البحر حتى ركبتيه أثناء إلقائه خطاباً في عام 2021
Tuvalu Ministry of Justice, Communication and Foreign Affairs
بعد عدة سنوات من صورة جزر المالديف، ألقى وزير خارجية توفالو، سيمون كوفي، خطابا وهو يقف وسط البحر

ويقول بينوا ماير، أستاذ قانون المناخ بجامعة ريدينغ في المملكة المتحدة: "إنها صورة قوية ومؤثرة"، مضيفاً أن التحدي الذي يُمثله تغير المناخ هو أنه كارثة مُجرّدة، مُشتتة، وبطيئة التطور، ونتيجةً لذلك، يصعب التعاطف معها.

ويوضح أنه في السابق، كانت تُصوَّر دببة قطبية عالقة على عوامات جليدية. لكن هذه الصورة كانت من أوائل الصور التي "أبرزت وجهاً لتغير المناخ"، كما يقول ماير، جاعلةً القضية تتعلق بالبشر، لا بالدببة القطبية.

ويقول: "إنها إحدى الصور الرئيسية التي نعرفها، والتي تُمثل تأثير تغير المناخ على الدول الجزرية الصغيرة النامية وسكانها".

ويُعرب ماير عن قلقه من أن الصورة تُظهر جزر المالديف على أنها الضحية الرئيسية لتغير المناخ، في حين أنها كانت قد شيّدت للتو مبنى مطار جديداً يُمكن أن يُضاعف عدد المسافرين إلى البلاد إلى سبعة ملايين مسافر سنوياً. مع العلم أن الطيران يسبب ما نسبته 4 في المئة من الاحتباس الحراري العالمي حتى الآن.

وقد تم التواصل مع المكتب الصحفي لحكومة جزر المالديف بهذا الشأن، لكنه لم يُجب حتى وقت النشر.

الاستمرار في الضغط من أجل هدف 1.5 درجة مئوية

ويقول البروفيسور جويري روغيلج، مدير الأبحاث في معهد غرانثام وأستاذ علوم المناخ في إمبريال كوليدج بلندن، إن للصورة أهميةً من جانب آخر. فهي تدفع هدف الـ1.5 درجة مئوية إلى المقدمة.

وبعد عامين من التقاط الصورة، وتحديداً في مؤتمر المناخ العالمي السنوي في كانكون، COP16، اتُفق على مراجعة العلماء لتأثيرات هدف الدرجتين المئويتين بدلاً من 1.5 درجة مئوية. وكان روغيلج أحد هؤلاء العلماء المكلفين باستكشاف ذلك.

وكانت نتائج المراجعة صادمة، حيث يقول روغيلج، مُلخِّصاً التقرير: "الدرجتان المئويتان ليسا حداً آمناً. ولا يُمكن اعتبارهما حاجزاً واقياً. بل يجب اعتبارهما خط دفاع يجب الابتعاد عنه قدر الإمكان".

شابان يمشيان على رصيف بحري بجوارهما قوارب
Getty Images
تواجه العديد من الدول الجزرية خارج جزر المالديف ضغوطاً مماثلة بسبب ارتفاع منسوب مياه البحار

وبالنظر إلى الجدوى العلمية وراء هدف 1.5 درجة مئوية، ازدادت الحملة قوةً. وفي عام 2015، تم الاعتراف رسمياً بالهدف الجديد في مؤتمر كوب للمناخ الحادي والعشرين في باريس. إنه بلا شك أكثر أهداف المناخ طموحاً التي شهدها العالم على الإطلاق.

لكن وبعد عشر سنوات من ذلك الاتفاق التاريخي، نندفع نحو عالمٍ أدفأ بمقدار 1.5 درجة مئوية عما كان عليه قبل الثورة الصناعية، ودون أي مؤشرات على تباطؤ.

وتضعنا السياسات الحالية على مسار ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 2.8 درجة مئوية بحلول عام 2100.

وقد كان عام 2024 أول عام يتجاوز عتبة الـ 1.5 درجة مئوية خلال عام واحد، مع أن حد الـ 1.5 درجة مئوية لن يُخترق فعلياً إلّا عندما يتجاوز متوسط ​​الاحترار العالمي لعقود 1.5 درجة مئوية.

وبخلاف التوقعات، لا يعتقد روغيلج أن هدف 1.5 درجة مئوية قد انتهى، مع أن آخرين يرون أن تجاوزاً مؤقتاً على الأقل هو أمرٌ لا مفر منه.

ويقول: "إن فشلنا في الحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية لا يلغي هدف 1.5 درجة مئوية. بل يصبح السعي لتحقيق هذا الهدف مختلفاً، ليس فقط لأننا نحتاج إلى خفض انبعاثاتنا بأسرع وقت ممكن، بل سيتعين علينا أيضاً إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي".

وكان لصورة مجلس الوزراء تحت الماء لعام 2009 تأثيرٌ دائم على تصورات تغير المناخ، لكن الكثير قد تغير خلال السنوات الست عشرة الماضية. وقد سألتُ أمينات عن الصورة التي قد تلتقطها الآن.

وأجابت: "لقد زرتُ غرفاً عرض فيها الوزراء صوراً لأحفادهم، وهذا واقعٌ حقيقيٌّ للغاية. إنه لأمرٌ مؤثرٌ للغاية التفكير فيه. ماذا سيحدث لابنتي عندما تبلغ سني؟".

وتابعت "إذا لم يكن لأطفالنا منزل، فأين سيذهبون؟ أعتقد أن هذه هي الصورة التي أريد التقاطها".



إقرأ المزيد