إيلاف - 11/20/2025 11:31:09 AM - GMT (+2 )
إيلاف من لندن: في مساء 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 1995، انكشفت واحدة من أجرأ اللحظات الإعلامية، حين جلست الأميرة ديانا، أميرة ويلز، أمام كاميرات برنامج "بانوراما" على قناة "بي بي سي"، لتدلي باعترافات قلبت الصورة النمطية للعائلة الملكية البريطانية رأساً على عقب.
ووفق ما نقلته روسيا اليوم، لم يكن اللقاء مع الصحفي مارتن بشير مجرد مقابلة تلفزيونية روتينية. بل تحوّل إلى لحظة مفصلية في حياة ديانا والنظام الملكي البريطاني، عندما فتحت أبواب حياتها الخاصة أمام ملايين المشاهدين حول العالم، متحدّثة بجرأة غير معهودة عن الخيانة، والصراع الداخلي، والألم النفسي الذي عاشته في الظل.
ليلة الحقيقة التي هزّت العرشخلال المقابلة، أكّدت ديانا وجود "ثلاثة أشخاص" في زواجها، في إشارة واضحة إلى العلاقة بين الأمير تشارلز وكاميلا باركر بولز. لكن صدمتها للجمهور لم تتوقف عند ذلك، إذ تحدّثت بصراحة عن معاناتها مع الاكتئاب، والشره المرضي، وإيذاء النفس، وهي مواضيع ظلّت لسنوات بعيدة عن واجهة النقاش العام، خصوصًا داخل أسوار العائلات الملكية المحافظة.
كلمات ديانا جاءت كسيل من الاعترافات، تضرب في عمق مؤسسة ملكية لطالما احتمت بالصمت. حين سألها الصحفي: "هل أصبحتِ مشكلة بالنسبة لهم؟"، أجابت بنبرة هادئة ولكن قاطعة: "نعم، أصبحت العدو الأول لبريطانيا". كانت تلك الجملة وحدها كافية لإشعال عاصفة داخل القصر الملكي.
وبالفعل، لم تمرّ سوى أسابيع حتى أرسلت الملكة إليزابيث الثانية رسالة إلى تشارلز وديانا تحثّهما على تسريع إجراءات الطلاق. أما داخل العائلة، فكانت الهزة أكبر. إذ أقرّت ديانا لاحقاً بأن المقابلة سببت أول شجار كبير بينها وبين ابنها الأمير ويليام، الذي لم يتقبل أن يرى حياته الخاصة معروضة على الشاشات.
تفاعل العائلة المالكة جاء قاسيًا. فقد وصفت الملكة إليزابيث المقابلة بأنها "مروعة للغاية"، واعتبرتها فضحًا علنيًا لحياة الأمير تشارلز. أما الأميرة مارغريت، شقيقة الملكة، فقد أمرت بمنع نشر صور ديانا في المجلات. وفي لقطة ذات دلالة رمزية، تابعت كاميلا باركر بولز المقابلة وهي تضحك، ووصفتها بأنها "مسرحية تلفزيونية".
لكن بعد سنوات، تبيّن أن القصة لم تكن فقط عن الشجاعة، بل شابها قدر من الخداع. ففي عام 2021، خلُص تحقيق مستقل إلى أن الصحفي مارتن بشير استخدم وثائق مزورة لإقناع ديانا بالمشاركة، من ضمنها كشوفات حسابات بنكية مزيفة أوحت لها بأنها تخضع للمراقبة. وهو ما زاد من هشاشتها النفسية، ودفعها إلى ما اعتقدت أنه تفريغ للضغوط.
رغم كل ذلك، لم تكن ديانا مجرد ضحية. بل كانت أيضًا صوتًا لكثيرين. حين قالت: "لا أرى نفسي ملكة هذا البلد، بل ملكة القلوب"، كانت تؤسس لنموذج جديد في العلاقة بين العامة والمؤسسة. وقد جسّدت ذلك في اعترافها بأنها "أول فرد في العائلة المالكة يبكي علنًا ويطلب المساعدة".
تاريخيًا، غيّرت المقابلة من طبيعة العلاقة بين الشعب البريطاني والملكية. فقد أسقطت الهالة المقدسة، وأظهرت أفراد العائلة بصورتهم البشرية، القابلة للخطأ، والمشاعر، والضعف. وفتحت الباب لنقاش عام واسع حول الصحة النفسية، والشفافية، وحقوق المرأة داخل المؤسسات.
قالت ديانا: "أتمنى أن أكون ملكة القلوب، لكنني لا أرى نفسي ملكة هذا البلد". واعترفت بأنها لا تتبع القواعد، بل تنصت إلى قلبها، واعتبرت أن "أعظم مرض في هذا الزمن هو شعور الناس بعدم الحب". وأكدت: "أينما أرى المعاناة، أريد أن أكون هناك"، مؤكدة أن ما فعلته لم يكن بدافع التمرّد، بل الرغبة في فعل الخير.
رغم الجدل، ورغم الخداع الذي اكتنف الإعداد للمقابلة، تبقى تلك الليلة واحدة من أقوى لحظات التلفزيون السياسي والشخصي في التاريخ الحديث.
تصريحاتها خرجت عن النص الملكي الصارم، لكنها دخلت النص الإنساني الذي لا يُنسى. ولعلّ ذلك ما جعلها، بحق، "ملكة القلوب".
إقرأ المزيد


