السودان.. لماذا تعارض شبكات الامتيازات والمصالح وقف الحرب؟
سكاي نيوز عربية -

فمم تتألف تلك الشبكات؟ ولماذا تتخذ الحرب مطية لتحقيق أهدافها؟ وما الأدوات التي تستخدمها؟

بعد إسقاط نظام الإخوان في أبريل 2019، صدم الشارع السوداني بحجم سيطرة شبكات مصالح وامتيازات واسعة على مكونات الدولة الأمنية والاقتصادية، والفساد الهائل الذي كشفت عنه اللجنة التي شكلت لتفكيك هذه الشبكات.

وتمكنت تلك الشبكات خلال العقود الثلاثة من حكم تنظيم الإخوان، من إعادة صياغة أجهزة الدولة عبر سياسة "التمكين"، وخلقت سلاسل اقتصادية وأمنية ظلت تمسك بكل مفاصل الدولة.

وفي أعقاب الثورة، تحولت تلك الشبكات إلى "مخلب تخريب"، فسعت بقوة إلى إجهاض التحول المدني، ودعمت انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في أكتوبر 2021، وعملت، بعد الرفض الشعبي الواسع للانقلاب، على إشعال الحرب ومعارضة أي محاولات لوقفها.

وبعد فشل انقلاب أكتوبر 2021، سعت تلك الشبكات إلى إشعال الحرب في أبريل 2023، ووظفت نفوذها داخل المؤسسة العسكرية وشبكاتها المالية والإعلامية لتغذية الصراع، باعتباره وسيلة لضمان استمرار سيطرتها على المشهد، ومنع أي تجربة انتقالية تحارب الفساد الممنهج، وتحاسب المتورطين فيه.

ويرى المراقبون أن أي جهد لحل أزمة السودان يجب أن يربط وقف الحرب بإنهاء سيطرة الإخوان وشبكات الامتيازات على الجيش والأمن والاقتصاد، وتصفية شبكات التمكين.

من هم أصحاب الامتيازات؟

يصف مراقبون مجموعة الامتيازات والمصالح التي تدفع نحو استمرار الحرب بأنها "شبكة واسعة تضم بقايا منظومة التمكين التي بناها نظام الإخوان خلال 3 عقود".

وتشمل هذه الدائرة قيادات ورموزا سياسية تابعة للتنظيم، وأمراء حرب من قادة الحركات المسلحة، إلى جانب مجموعات اقتصادية ارتبطت بشبكات الذهب والتهريب والاقتصاد الموازي الذي ازدهر تحت حماية النظام السابق.

كما تضم شخصيات عسكرية وأمنية، كان لها دور مباشر في انقلاب أكتوبر 2021، وفي تفجير الصراع.

ويقول الكاتب والباحث السياسي إبراهيم برسي لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "هذه المجموعات لم تخف قلقها من التحول المدني بعد ثورة أبريل 2019، إذ كشف تفكيك التمكين عن حجم نفوذها المالي والأمني في أجهزة الدولة".

ويضيف: "مع فتح ملفات الفساد واتساع المطالبات بالمحاسبة، رأت هذه الشبكات أن أي عملية انتقال مدني حقيقية تعني نهاية نفوذ استغرق بناؤه عقودا، لذلك عارضت التسوية السياسية بكل أشكالها، من جدة إلى المنامة إلى جنيف ثم الرباعية".

ويلفت برسي إلى أن "شبكة الامتيازات والمصالح التي تعارض وقف الحرب، تضم نفس المجموعة التي دعمت انقلاب أكتوبر 2021، ثم لعبت دورا في إشعال حرب أبريل 2023، معتبرة الحرب فرصة لإعادة ترتيب المشهد، لا تهديدا".

ويرى أن "دوافع هذه الشبكات ليست سياسية فقط بل وجودية"، موضحا: "الحرب تمنحها هوامش نفوذ أكبر، وتمنع قيام سلطة مدنية تمتلك القدرة على المحاسبة، مما يجعل استمرار القتال وسيلة لحماية الامتيازات ومنع عودة دولة المؤسسات".

استراتيجية طويلة الأمد

وفقا للبرلماني والوزير الأسبق بالخارجية السودانية مهدي داود الخليفة، فإن "الأدلة التاريخية والمعطيات الراهنة تشير بوضوح إلى أن مجموعة الامتيازات والمصالح، وعلى رأسها تنظيم الإخوان، تتبع استراتيجية طويلة الأمد تعتمد على استمرار النزاع كوسيلة لإضعاف القوى المدنية وإعادة إنتاج شبكات النفوذ والموارد".

ويوضح الخليفة: "تسعى هذه المجموعة إلى استمرار النزاع كأداة لإعادة إنتاج قوتها وبقاء مواقع نفوذهم داخل الجيش، بما يمكنهم من تحصيل موارد الحرب من ذهب ومعادن والسيطرة على الاقتصاد الريعي الذي يتيح تمويل تلك الشبكات واستدامة عملياتها السياسية والعسكرية والاقتصادية".

ويشير إلى أن "تلك الشبكات تعمل على استمرار النزاع، بهدف تشتيت جهود المجتمع المدني وتعطيل بناء تحالفات وطنية قادرة على مواجهة مشروعها".

لكن الخليفة يحذر من أن يؤدي توجه تلك الشبكات إلى المزيد من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي وزيادة أعداد النازحين والقتلى، وتفكيك مؤسسات الدولة بشكل أكبر، مما يجعل العودة إلى السلام أكثر صعوبة في المستقبل.

 أدوات الحشد لمنع وقف الحرب

تستفيد شبكات تنظيم الإخوان والمجموعات المرتبطة به من نفوذها الاقتصادي والإعلامي والأمني الواسع، في توسيع الدعوة لاستمرار الحرب.

وتعتبر القوة المالية واحدة من الأدوات الرئيسية التي يستخدمها التنظيم حاليا في الحشد لمعارضة وقف الحرب.

ووفقا لخبراء اقتصاديين، فقد تمكن التنظيم خلال الأعوام الثلاثين الماضية من بناء قاعدة مالية ضخمة قدرت بأكثر من 100 مليار دولار، وذلك بفعل تمكين عناصره من كل مفاصل الدولة الاقتصادية والتجارية، مقابل دفع حصص من عائداتهم وأرباحهم لخزينة الحزب الحاكم.

واستخدم الحزب تلك الأموال في بناء علاقات مع العديد من التنظيمات الإرهابية والمشابهة، في العديد من البلدان.

وفي هذا السياق، يقول الخبير المالي والاقتصادي عادل سيد أحمد، إن "الإخوان تمكنوا من السيطرة على كل الوزارات والمؤسسات الاقتصادية من خلال إحلال الوظائف القيادية والدنيا بكوادر حزبية، جرت كافة العقود التجارية لصالح تجار وشركات الحزب والمجموعات المرتبطة به".

ويوضح سيد أحمد لموقع "سكاي نيوز عربية": "تمددت شبكات الحزب ومجموعات المصالح المرتبطة به اقتصاديا وتضخمت أموالها بشكل كبير".

وأمنيا، تعتمد شبكة الامتيازات على نفوذ الإخوان القوي داخل الجيش والمؤسسات الأمنية، وهو ما أدى إلى رفض 10 مبادرات دولية وإقليمية دعت لوقف الحرب حتى الآن.

ومنذ بداية التسعينيات، عمل التنظيم على تمكين عناصره داخل الجيش والأجهزة الأمنية، وتشكيل ميليشيات مسلحة جند لها آلاف الشباب لحمايته، من أبرزها كتيبة البراء وقوات الدفاع الشعبي والأمن الشعبي، التي خصص لها مليارات الدولارات وزودها بتجهيزات عالية ومنحها صلاحيات كبيرة.

وفي الشق الإعلامي، تستخدم مجموعات المصالح والامتيازات في الترويج لسردية استمرار الحرب شبكة إعلامية ضخمة تشمل عددا من المواقع والقنوات التلفزيونية، إضافة إلى غرف تتخصص في بث الشائعات والأخبار المفبركة على منصات التواصل الاجتماعي، كما تدفع مئات الآلاف من الدولارات لشركات علاقات عامة في بلدان مختلفة.

وينبه الصحفي والمحلل السياسي محمد المختار محمد، إلى أن "شبكات المصالح والامتيازات تستفيد من الانتشار الواسع لمنصات التواصل الاجتماعي".

ويقول لموقع "سكاي نيوز عربية": "عبر الآلاف من الحسابات المزيفة والغرف المنظمة والقنوات التابعة لتنظيم الإخوان، تعمل الشبكات الإعلامية لمجموعات الامتيازات على بث الشائعات والرسائل التي تصب في صالح الدعوة لاستمرار الحرب".



إقرأ المزيد